إنَّ الِابْتِلَاءَ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الشَّرِّ وَلَوْ فِي الْمَآلِ فَلَا يَرُدُّ مَا قَالَهُ فِي الْإِصْلَاحِ مِنْ أَنَّهُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الِابْتِلَاءَ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا هُوَ مَحْظُورُ الْعَوَاقِبِ وَلَوْ كَانَ مُبَاحًا وَمِنْهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ» الْحَدِيثَ انْتَهَى لِأَنَّ الِابْتِلَاءَ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يُوجَدُ فِيهِ الشَّرُّ كَمَا هُنَا وَفِيمَا يُفْضِي إلَيْهِ غَالِبًا كَمَا فِي الْقَضَاءِ وَلِذَا قَالُوا هُنَا دَلَّ هَذَا عَلَى حُرْمَةِ كُلِّ الْمَلَاهِي وَلَمْ يَقُولُوا دَلَّ عَلَى حُرْمَةِ كُلِّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ لِابْنِ الشَّيْخِ قِيلَ الصَّبْرُ عَلَى الْحَرَامِ لِإِقَامَةِ السُّنَّةِ لَا يَجُوزُ يُقَالُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجْلِسُ مُعْرِضًا عَنْ اللَّهْوِ مُنْكِرًا لَهُ غَيْرَ مُشْتَغِلٍ وَلَا مُتَلَذِّذٍ بِهِ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ الْجُلُوسُ عَلَى اللَّهْوِ فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ مُبْتَلًى بِحَرَامٍ.
(وَالْكَلَامُ مِنْهُ) أَيْ بَعْضُهُ (مَا يُؤْجَرُ بِهِ كَالتَّسْبِيحِ وَنَحْوِهِ) كَالتَّحْمِيدِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَالْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ وَعِلْمِ الْفِقْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب: ٣٥] الْآيَةَ (وَقَدْ يَأْثَمُ بِهِ) أَيْ بِالتَّسْبِيحِ وَنَحْوِهِ (إذَا فَعَلَهُ فِي مَجْلِسِ الْفِسْقِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ) لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِهْزَاءِ وَالْمُخَالَفَةِ لِمُوجَبِهِ.
(وَإِنْ قَصَدَ بِهِ) أَيْ بِنَحْوِ التَّسْبِيحِ (فِيهِ) أَيْ فِي مَجْلِسِ الْفِسْقِ (الِاعْتِبَارَ) وَالِاتِّعَاظَ (وَالْإِنْكَارَ) لِأَفْعَالِ الْفَاسِقِينَ وَأَنْ يَشْتَغِلُوا عَمَّا هُمْ فِيهِ مِنْ الْفِسْقِ (فَحَسَنٌ) وَكَذَا مَنْ سَبَّحَ فِي السُّوقِ بِنِيَّةِ أَنَّ النَّاسَ غَافِلُونَ فَلَعَلَّهُمْ تَنَبَّهُوا لِلْآخِرَةِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ تَسْبِيحِهِ فِي غَيْرِ الْمَجَامِعِ قَالَ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذَاكِرُ اللَّهِ فِي الْغَافِلِينَ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ (وَيُكْرَهُ فِعْلُهُ لِلتَّاجِرِ عِنْدَ فَتْحِ مَتَاعِهِ) بِأَنْ يَقُولَ عِنْدَ فَتْحِ الْمَتَاعِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ يُصَلِّي عَلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ يَأْثَمُ لِأَنَّهُ يَكُونُ لِأَمْرِ الدُّنْيَا بِخِلَافِ الْغَازِي أَوْ الْعَالِمِ إذَا كَبَّرَ أَوْ هَلَّلَ عِنْدَ الْمُبَارَزَةِ وَفِي مَجْلِسِ الْعِلْمِ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ بِهِ التَّعْظِيمَ وَالتَّفْخِيمَ وَإِظْهَارَ شَعَائِرِ الدِّينِ.
(وَ) يُكْرَهُ (التَّرْجِيعُ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَ) كَذَا يُكْرَهُ (الِاسْتِمَاعُ إلَيْهِ) لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِفِعْلِ الْفَسَقَةِ حَالَ فِسْقِهِمْ وَهُوَ التَّغَنِّي وَلَمْ يَكُنْ هَذَا فِي الِابْتِدَاءِ وَلِهَذَا كُرِهَ فِي الْأَذَانِ (وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ» (وَعَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَرِهَ رَفْعَ الصَّوْتِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْجِنَازَةِ) .
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَيُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ وَيَذْكُرُ عِنْدَ الْجِنَازَةِ فِي نَفْسِهِ وَقَدْ جَاءَ سُبْحَانَ مَنْ قَهَرَ عِبَادَهُ بِالْمَوْتِ وَتَفَرَّدَ بِالْبَقَاءِ سُبْحَانَ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ (وَالزَّحْفِ) أَيْ الْحَرْبِ (وَالتَّذْكِيرِ) أَيْ الْوَعْظِ (فَمَا ظَنُّك بِهِ) أَيْ بِرَفْعِ الصَّوْتِ (عِنْدَ) اسْتِمَاعِ (الْغِنَاءِ) الْمُحَرَّمِ (الَّذِي يُسَمُّونَهُ وَجْدًا) وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَوْصُولَ مَعَ صِلَتِهِ صِفَةٌ لِقَوْلِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute