مِنْ أَوَّلِهِ) أَيْ مِنْ أَوَّلِ النَّهْرِ (إلَى آخِرِهِ بِحِصَصِ الشِّرْبِ) وَبَيَانُهُ أَنَّ الشُّرَكَاءَ فِي النَّهْرِ إذَا كَانُوا عَشَرَةً مَثَلًا فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عُشْرُ مُؤْنَةِ الْكَرْيِ فَإِذَا جَاوَزَ عَنْ أَرْضِ أَحَدِهِمْ فَعَلَى كُلٍّ مِنْ الْبَاقِينَ تُسْعُهَا وَإِذَا تَجَاوَزَ عَنْ أَرْضِ الْأُخْرَى فَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ ثُمُنُهَا هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَقَالَا عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ أَعْشَارٌ مِنْ أَوَّلِ الْكَرْيِ إلَى آخِرِهِ لِأَنَّ لِصَاحِبِ الْأَعْلَى حَقًّا فِي الْأَسْفَلِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى تَسْيِيلِ مَا فَضَلَ مِنْ الْمَاءِ فِيهِ وَلَهُ أَنَّ الْمَقْصِدَ مِنْ الْكَرْيِ الِانْتِفَاعُ بِالسَّقْيِ وَقَدْ حَصَلَ لِصَاحِبِ الْأَعْلَى فَلَا يَلْزَمُهُ انْتِفَاعُ غَيْرِهِ وَلَيْسَ عَلَى صَاحِبِ الْمَسِيلِ عِمَارَتُهُ كَمَا إذَا كَانَ لَهُ مَسِيلٌ عَلَى سَطْحِ غَيْرِهِ كَيْفَ وَأَنَّهُ يُمْكِنُهُ رَفْعُ الْمَاءِ عَنْ أَرْضِهِ بِسَدِّهِ مِنْ أَعْلَاهُ ثُمَّ إنَّمَا يَرْفَعُ عَنْهُ إذَا جَاوَزَ أَرْضَهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَقِيلَ إذَا جَاوَزَ فُوَّهَةَ نَهْرِهِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ لَهُ رَأْيًا فِي اتِّخَاذِ الْفُوَّهَةِ مِنْ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ إذَا جَاوَزَ الْكَرْيُ أَرْضَهُ حَتَّى سَقَطَتْ عَنْهُ مُؤْنَتُهُ قِيلَ لَهُ أَنْ يَفْتَحَ الْمَاءَ لِيَسْقِيَ أَرْضَهُ لِانْتِهَاءِ الْكَرْيِ فِي حَقِّهِ وَقِيلَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَفْرُغْ شُرَكَاؤُهُ نَفْيًا لِاخْتِصَاصِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
(وَتَصِحُّ دَعْوَى الشِّرْبِ بِلَا أَرْضٍ) اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ الشِّرْبَ قَدْ يُمْلَكَ بِلَا أَرْضٍ إرْثًا وَوَصِيَّةً وَقَدْ يُبَاعُ الْأَرْضُ بِدُونِ الشِّرْبِ فَيَبْقَى لَهُ الشِّرْبُ وَحْدَهُ فَصَارَ هُوَ مَرْغُوبًا مُنْتَفَعًا بِهِ فَتَصِحُّ الدَّعْوَى وَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ.
وَفِي الْقِيَاسِ لَا تَصِحُّ دَعْوَاهُ بِدُونِهَا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ شَرْطِ صِحَّةِ الدَّعْوَى وَهُوَ الْإِعْلَامُ وَالشِّرْبُ لَا يَقْبَلُ الْإِعْلَامَ لِجَهَالَةِ الْمَقَامِ.
(وَمَنْ كَانَ لَهُ نَهْرٌ يَجْرِي فِي أَرْضِ غَيْرِهِ فَأَرَادَ رَبُّ الْأَرْضِ مَنْعَ الْإِجْرَاءِ) فِي أَرْضِهِ (فَلَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلرَّبِّ (ذَلِكَ) أَيْ الْمَنْعُ وَيُتْرَكُ عَلَى حَالِهِ لِأَنَّ مَوْضِعَ النَّهْرِ مُسْتَعْمَلٌ لَهُ بِإِجْرَاءِ مَائِهِ فَيَكُونُ فِي يَدِهِ فَعِنْدَ الِاخْتِلَافِ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي أَنَّهُ مِلْكُهُ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) أَيْ النَّهْرُ (فِي يَدِهِ) أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَشْجَارٌ وَلَا طِينٌ مُلْقًى عَلَى جَانِبَيْ النَّهْرِ (أَوْ لَمْ يَكُنْ جَارِيًا فَادَّعَى أَنَّهُ) أَيْ النَّهْرَ (لَهُ وَقَصَدَ إجْرَاءَهُ لَا يُسْمَعُ بِلَا بَيِّنَةٍ أَنَّهُ) أَيْ النَّهْرَ (لَهُ أَوْ أَنَّهُ كَانَ لَهُ حَقُّ الْإِجْرَاءِ) فِي هَذَا النَّهْرِ يَسُوقُهُ إلَى أَرْضِهِ لِسَقْيِهَا فَيُقْضَى لَهُ بِهِ لِإِثْبَاتِهِ بِالْحُجَّةِ مِلْكَ الرَّقَبَةِ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِيهِ أَوْ حَقَّ الْإِجْرَاءِ بِإِثْبَاتِ الْجَرْيِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى الْمِلْكِ (وَعَلَى هَذَا الْمَصَبُّ فِي نَهْرٍ أَوْ سَطْحٍ وَالْمِيزَابُ وَالْمَمْشَى فِي دَارِ الْغَيْرِ) فَحُكْمُ الِاخْتِلَافِ فِيهَا نَظِيرُهُ فِي الشِّرْبِ وَقَعَ فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ بِالْوَاوِ فِي الْمِيزَابِ وَالْمَمْشَى لَكِنَّ الظَّاهِرَ بِأَوْ فِيهِمَا تَدَبَّرْ.
(وَإِنْ اخْتَصَمَ جَمَاعَةٌ فِي شِرْبٍ) أَيْ نَهْرٍ بَيْنَ قَوْمٍ اخْتَصَمُوا فِي الشِّرْبِ فَالنَّهْرُ (بَيْنَهُمْ قُسِّمَ) الشِّرْبُ (عَلَى قَدْرِ أَرَاضِيِهِمْ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالشِّرْبِ سَقْيُ الْأَرَاضِي وَالْحَاجَةُ إلَى ذَلِكَ تَخْتَلِفُ بِقِلَّةِ الْأَرَاضِي وَكَثْرَتِهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ الشِّرْبِ بِقَدْرِ أَرَاضِيِهِ وَبِقَدْرِ حَاجَتِهِ بِخِلَافِ الطَّرِيقِ إذَا اخْتَلَفَ فِيهِ الشُّرَكَاءُ حَيْثُ يَسْتَوُونَ فِي مِلْكِ رَقَبَةِ الطَّرِيقِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute