فَتَكُونُ الْقَعْدَةُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ فِي الْفَرْضِ فَتَفْسُدُ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا تَفْسُدُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّهُ لَمَّا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ قَبْلَ الْقَعْدَةِ فَقَدْ جَعَلَهَا صَلَاةً وَاحِدَةً فَصَارَتْ الْقَعْدَةُ الْأُولَى فَاصِلَةً كَمَا فِي الْفَرْضِ فَتَكُونُ وَاجِبَةً وَالْخَاتِمَةُ هِيَ الْفَرْضِيَّةُ وَلِذَا لَوْ صَلَّى أَلْفَ رَكْعَةٍ مِنْ النَّفْلِ غَيْرَ قَاعِدٍ إلَّا فِي الْأَخِيرَةِ لَمْ تَفْسُدْ عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الْكَافِي.
(وَلَوْ نَذَرَ صَلَاةً فِي مَكَان) مَثَلًا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (فَأَدَّاهَا) أَيْ الصَّلَاةَ الْمَنْذُورَةَ (فِي) مَكَان (أَدْنَى شَرَفًا مِنْهُ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ الَّذِي نَذَرَ فِيهِ (جَازَ) مَا أَدَّاهُ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ عِنْدَنَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْقُرْبَةُ فَيَبْطُلُ التَّعْيِينُ وَلَزِمَتْهُ الْقُرْبَةُ.
وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ إلَّا فِيمَا عَيَّنَ مِنْ الْمَكَانِ أَوْ فِي مَكَان أَعْلَى مِنْهُ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ هَكَذَا فَيَلْزَمُ كَمَا الْتَزَمَ.
(وَلَوْ نَذَرَتْ) امْرَأَةٌ (صَلَاةً أَوْ صَوْمًا فِي غَدٍ فَحَاضَتْ فِيهِ) أَيْ فِي الْغَدِ (لَزِمَهَا الْقَضَاءُ) عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ فِي يَوْمِ الْحَيْضِ وَلَنَا أَنَّ الْعِبَادَةَ تَلْزَمُهَا بِالنَّذْرِ وَالْحَيْضُ يَمْنَعُ الْأَدَاءَ لَا الْوُجُوبَ كَصَوْمِ رَمَضَانَ وَقَيَّدَ بِالْغَدِ لِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ: عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ كَذَا يَوْمَ حَيْضِي لَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ نَذْرٌ بِمَعْصِيَةٍ مَقْصُودَةٍ.
(وَلَا يُصَلِّي بَعْدَ صَلَاةٍ مِثْلَهَا) قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: هَذَا حَدِيثٌ خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ لِأَنَّ الرَّجُلَ يُصَلِّي سُنَّةَ الْفَجْرِ ثُمَّ الْفَرْضَ وَهُمَا مِثْلَانِ وَكَذَا يُصَلِّي سُنَّةَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا ثُمَّ الْفَرْضَ أَرْبَعًا وَهُمَا مِثْلَانِ وَكَذَا يُصَلِّي فَرْضَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ ثُمَّ يُصَلِّي السُّنَّةَ رَكْعَتَيْنِ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ إجْرَاؤُهُ عَلَى الْعُمُومِ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى أَخَصِّ الْخُصُوصِ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْعَامِّ الَّذِي لَمْ يُمْكِنْ الْعَمَلُ بِعُمُومِهِ فَقَالَ: الْمُرَادُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ بَعْدَ أَدَاءِ الظُّهْرِ نَافِلَةً رَكْعَتَانِ بِقِرَاءَةٍ وَرَكْعَتَانِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ بَلْ يَقْرَأُ فِي جَمِيعِ الرَّكَعَاتِ حَتَّى لَا يَكُونَ مِثْلًا لِلْفَرْضِ فَيَكُونُ فِي الْحَدِيثِ بَيَانُ فَرْضِيَّةِ الْقِرَاءَةِ فِي جَمِيعِ رَكَعَاتِ النَّفْلِ كَذَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَكِنَّ هَذَا مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ خَبَرُ الْوَاحِدِ فَكَيْفَ يَقْتَضِي الْفَرْضِيَّةَ وَلَئِنْ كَانَ مَشْهُورًا فَهُوَ مُؤَوَّلٌ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فَلَا يُوجِبُ الْعِلْمَ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ النَّهْيُ عَنْ تَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسَاجِدِ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ: هَذَا تَأْوِيلٌ حَسَنٌ وَقِيلَ: لَا يَقْضِي مَا أَدَّى مِنْ الْفَرَائِضِ بِوَسْوَسَةٍ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ لَيْسَ بِثَابِتٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَلْ هُوَ كَلَامُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حَتَّى ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ بِإِسْنَادِهِ إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -.
(وَصَحَّ النَّفَلُ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ) بِلَا كَرَاهَةٍ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قَاعِدًا بِغَيْرِ عُذْرٍ» وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْمَكْتُوبَةُ وَالْوَاجِبَةُ وَالْمَنْذُورَةُ وَسُنَّةُ الْفَجْرِ وَالتَّرَاوِيحِ بِلَا عُذْرٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّ التَّرَاوِيحَ تَجُوزُ وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْقُعُودِ حَالَةَ الْقِرَاءَةِ رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَقْعُدُ كَيْفَ شَاءَ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ لَهُ تَرْكُ أَصْلِ الْقِيَامِ فَتَرْكُ صِفَةِ الْقُعُودِ أَوْلَى جَوَازًا وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَتَرَبَّعُ لِأَنَّهُ أَعْدَلُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَحْتَبِي لِأَنَّ عَامَّةَ صَلَاةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي آخِرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute