سَهْمِهِ لَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ يَظْهَرُ حِينَئِذٍ لِمَوْتِهِ سَبَبَانِ أَحَدُهُمَا مُوجِبٌ لِحِلِّهِ وَالْآخَرُ مُوجِبٌ لِحُرْمَتِهِ فَيُغَلَّبُ الْمُوجِبُ لِلْحُرْمَةِ مَعَ أَنَّ الْمَوْهُومَ فِي مِثْلِ هَذَا كَالتَّحْقِيقِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَعَلَّ هَوَامَّ الْأَرْضِ قَتَلَتْهُ» خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَلَا يَحِلُّ إنْ قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ ثُمَّ وَجَدَهُ) مَيِّتًا لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ مِثْلِهِ مُمْكِنٌ فَلَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ فَيَحْرُمُ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْكُلِّ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ لِلضَّرُورَةِ فِيمَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ فِيمَا يُمْكِنُ.
وَفِي التَّبْيِينِ وَجَعَلَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ مِنْ شَرْطِ حِلِّ الصَّيْدِ أَنْ لَا يَتَوَارَى عَنْ بَصَرِهِ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ الصَّيْدَ يَحْرُمُ بِالتَّوَارِي وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ عَنْ طَلَبِهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ وَاَلَّذِي رَوَيْنَاهُ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ إنَّ مَا تَوَارَى عَنْكَ إذَا لَمْ يَبِتْ يَحِلُّ فَإِذَا بَاتَ لَيْلَةً لَا يَحِلُّ وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ إذَا تَوَارَى عَنْهُ لَا يَحِلُّ عِنْدَنَا وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ عَنْ طَلَبِهِ فَيَكُونُ مُنَاقِضًا لِقَوْلِهِ وَإِذَا وَقَعَ السَّهْمُ بِالصَّيْدِ فَتَحَامَلَ حَتَّى غَابَ عَنْهُ وَلَمْ يَزَلْ فِي طَلَبِهِ حَتَّى أَصَابَهُ مَيِّتًا أُكِلَ وَإِنْ قَعَدَ عَنْهُ لَمْ يُؤْكَلْ فَبَنَى الْأَمْرَ عَلَى الطَّلَبِ وَعَدَمِهِ لَا عَلَى التَّوَارِي وَعَدَمِهِ وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ كُتُبِ فِقْهِ أَصْحَابِنَا وَلَوْ حَمَلَ مَا ذَكَرَهُ عَلَى مَا قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ كَانَ يَسْتَقِيمُ وَلَمْ يُنَاقِضْ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ انْتَهَى لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ كَلَامَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَدَارَ الْحِلِّ وَعَدَمِهِ عَدَمُ التَّوَارِي وَذَكَرَ الطَّلَبَ فِيمَا سَبَقَ لِإِعْلَامِ أَنَّ مُجَرَّدَ التَّوَارِي لَا يَضُرُّ بَلْ لَا بُدَّ مَعَ هَذَا مِنْ أَنْ يَقْعُدَ عَنْ طَلَبِهِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ كَمَالُ التَّوَارِي فَإِنَّهُ إذَا غَابَ الْمَرْمِيُّ وَلَمْ يَقْعُدْ الرَّامِي عَنْ طَلَبِهِ فَوَجَدَهُ مَيِّتًا لَا يُعَدُّ هَذَا تَوَارِيًا وَقَدْ أَوْمَأَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ إلَّا أَنَّا أَسْقَطْنَا اعْتِبَارَهُ أَيْ اعْتِبَارَ الْمَوْهُومِ مَا دَامَ فِي طَلَبِهِ ضَرُورَةٌ أَنْ لَا يَعْرَى الِاصْطِيَادُ عَنْهُ.
وَفِي النِّهَايَةِ أَيْ عَنْ التَّغَيُّبِ عَنْ بَصَرِهِ فِي الْغِيَاضِ وَالْمَشَاجِرِ وَالْبَرَارِي وَالطَّيْرُ بَعْدَمَا أَصَابَهُ السَّهْمُ يَتَحَامَلُ وَيَطِيرُ حَتَّى يَغِيبَ عَنْ بَصَرِهِ فَيَسْقُطَ اعْتِبَارُ ضَرُورَةِ إذَا كَانَ فِي طَلَبِهِ لِأَنَّ الطَّالِبَ كَالْوَاجِدِ وَلَا ضَرُورَةَ فِيمَا إذَا قَعَدَ عَنْ طَلَبِهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ قَعَدَ يَكُونُ التَّوَارِي بِسَبَبِ عَمَلِهِ وَيُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْ ذَلِكَ التَّوَارِي بِأَنْ يَتْبَعَ أَثَرَهُ وَلَا يَشْتَغِلَ بِعَمَلٍ آخَرَ.
(وَالْحُكْمُ فِيمَا جَرَحَهُ الْكَلْبُ) بِالْإِرْسَالِ (كَالْحُكْمِ فِيمَا جَرَحَهُ السَّهْمُ) فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ.
(وَإِنْ رَمَاهُ) أَيْ الصَّيْدَ (فَوَقَعَ فِي مَاءٍ) فَمَاتَ فِيهِ أَيْ فِي الْمَاءِ (أَوْ) وَقَعَ (عَلَى سَطْحٍ أَوْ) عَلَى (جَبَلٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ حَائِطٍ أَوْ آجِرَةٍ ثُمَّ تَرَدَّى) مِنْهُ إلَى الْأَرْضِ (فَمَاتَ حَرُمَ) أَكْلُهُ لِأَنَّهُ مُتَرَدِّيَةٌ وَهِيَ حَرَامٌ بِالنَّصِّ وَلِأَنَّهُ احْتَمَلَ الْمَوْتَ بِغَيْرِ الرَّمْيِ إذْ الْمَاءُ مُهْلِكٌ قِيلَ هَذَا إذَا لَمْ يَقَعْ الْجُرْحُ مُهْلِكًا فِي الْحَالِ أَمَّا إذَا كَانَ مُهْلِكًا فَوُقُوعُهُ فِي الْمَاءِ حَيًّا لَا يَضُرُّ لِأَنَّ الْحَيَاةَ الْبَاقِيَةَ فِيهِ كَالْحَيَاةِ فِي الْمَذْبُوحِ بَعْدَ الذَّبْحِ فَيُؤْكَلُ وَكَذَا السُّقُوطُ مِنْ عُلْوٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِنْ السُّقُوطِ لَا مِنْ الْجُرْحِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْجُرْحُ مُهْلِكًا فِي الْحَالِ أَمَّا إذَا كَانَ مُهْلِكًا وَبَقِيَ فِيهِ الْحَيَاةُ بِقَدْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute