للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفَصْلَ لِذَلِكَ لِتَمَيُّزِ مَسَائِلِهِ عَمَّا سَبَقَ بَيَانُهُ مِنْ الْجِنَايَاتِ بِأَنْوَاعِهَا فَقَالَ (وَيَسْقُطُ الْقِصَاصُ بِمَوْتِ الْقَاتِلِ) لِفَوَاتِ الْمَحِلِّ (وَبِعَفْوِ الْأَوْلِيَاءِ وَبِصُلْحِهِمْ عَلَى مَالٍ وَإِنْ قَلَّ) الْمَالُ لِأَنَّهُ حَقُّهُمْ فَيَجُوزُ تَصَرُّفُهُمْ فِيهِ كَيْفَ شَاءُوا (وَيَجِبُ) الْمَالُ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ (حَالًّا) يَعْنِي إذَا صَالَحَ الْأَوْلِيَاءُ عَلَى مَالٍ عَنْ الْقِصَاصِ وَجَبَ الْمَالُ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا حَالًّا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا الْحُلُولَ وَالتَّأْجِيلَ لِأَنَّهُ مَالٌ وَاجِبٌ بِالْعَقْدِ وَالْأَصْلُ فِي أَمْثَالِهِ الْحُلُولُ كَالْمَهْرِ وَالثَّمَنِ وَمَشْرُوعِيَّةُ الصُّلْحِ ثَابِتَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: ١٧٨] وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الصُّلْحِ وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذُوا الْمَالَ وَبَيْنَ أَنْ يَقْتُلُوا» فَالْمُرَادُ أَخْذُ الْمَالِ بِرِضَى الْقَاتِلِ وَهُوَ مَعْنَى الصُّلْحِ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ لِلْأَوْلِيَاءِ يَجُوزُ لَهُمْ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِإِسْقَاطِهِ مَجَّانًا وَهُوَ الْعَفْوُ وَبِعِوَضٍ وَهُوَ مَعْنَى الصُّلْحِ بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ فَلَا يَجْرِي فِيهِ الْعَفْوُ فَكَذَا التَّعْوِيضُ وَإِنَّمَا كَانَ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ فِيهِ سَوَاءً لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مُقَدَّرٌ شَرْعًا فَيُفَوَّضُ إلَى رِضَاهُمَا كَالْخُلْعِ وَبَدَلِ الْكِتَابَةِ وَالْإِعْتَاقِ عَلَى مَالٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الصُّلْحُ بِأَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ دَيْنٌ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ مُقَدَّرٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: ٩٢] فَيَكُونُ أَخْذُ أَكْثَرَ مِنْهُ رِبًا.

(وَ) يَسْقُطُ الْقِصَاصُ (بِصُلْحِ بَعْضِهِمْ) أَيْ الْأَوْلِيَاءِ (أَوْ عَفْوِهِ) أَيْ الْبَعْضِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَتَمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي نَصِيبِهِ اسْتِيفَاءً وَإِسْقَاطًا بِالْعَفْوِ أَوْ الصُّلْحِ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي خَالِصِ حَقِّهِ وَمِنْ ضَرُورَةِ سُقُوطِ حَقِّ الْبَعْضِ فِي الْقِصَاصِ سُقُوطُ حَقِّ الْبَاقِينَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَتَلَ رَجُلَيْنِ فَعَفَا أَوْلِيَاءُ أَحَدِهِمَا حَيْثُ يَكُونُ لِأَوْلِيَاءِ الْآخَرِ قَتْلُهُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ قِصَاصَانِ لِاخْتِلَافِ الْقَتْلِ وَالْمَقْتُولِ فَبِسُقُوطِ أَحَدِهِمَا لَا يَسْقُطُ الْآخَرُ.

(وَلِمَنْ بَقِيَ) مِنْ الْأَوْلِيَاءِ (حِصَّتُهُ مِنْ الدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عَلَى الْقَاتِلِ هُوَ الصَّحِيحُ) لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ تَعَذَّرَ لِمَعْنًى فِي الْقَاتِلِ وَهُوَ ثُبُوتُ عِصْمَتِهِ بِعَفْوِ الْبَعْضِ فَيَجِبُ الْمَالُ كَمَا فِي الْخَطَأِ فَإِنَّ الْعَجْزَ عَنْ الْقِصَاصِ ثَمَّةَ لِمَعْنًى فِي الْقَاتِلِ وَهُوَ كَوْنُهُ خَاطِئًا وَلَا حِصَّةَ لِلْعَافِي لِإِسْقَاطِ حَقِّهِ (وَقِيلَ عَلَى الْعَاقِلَةِ) وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْقَتْلَ عَمْدٌ وَالْعَاقِلَةُ لَا تَتَحَمَّلُ الْعَمْدَ.

(وَلَوْ قَتَلَ حُرٌّ وَعَبْدٌ شَخْصًا فَأَمَرَ الْحُرُّ وَسَيِّدُ الْعَبْدِ رَجُلًا بِالصُّلْحِ عَنْ دَمِهِمَا بِأَلْفٍ فَصَالَحَ فَهِيَ نِصْفَانِ) يَعْنِي إذَا قَتَلَ حُرٌّ وَعَبْدٌ رَجُلًا عَمْدًا حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِمَا الدَّمُ فَأَمَرَ الْحُرُّ وَمَوْلَى الْعَبْدِ رَجُلًا أَنْ يُصَالِحَ عَنْ دَمِهِمَا عَلَى أَلْفٍ فَفَعَلَ فَالْأَلْفُ عَلَى الْحُرِّ وَمَوْلَى الْعَبْدِ نِصْفَانِ لِأَنَّهُ مُقَابَلٌ بِالْقِصَاصِ وَهُوَ عَلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ فَيُقْسَمُ بَدَلُهُ عَلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>