مَا دَامَتْ عَلَى الْعُضْوِ وَإِذَا انْفَصَلَتْ تَصِيرُ مُسْتَعْمَلَةً بِلَا خِلَافٍ كَمَا عَرَفْت آنِفًا وَبِذَلِكَ ظَهَرَ ضَعْفُ مَا قِيلَ وَكَيْفِيَّةُ أَنْ يَضَعَ كَفَّيْهِ وَأَصَابِعَهُ عَلَى مُقَدَّمِ الرَّأْسِ وَيَمُدَّهُمَا إلَى قَفَاهُ عَلَى وَجْهٍ يَسْتَوْعِبُ جَمِيعَ الرَّأْسِ وَيَمْسَحَ أُذُنَيْهِ بِإِصْبَعَيْهِ، وَلَا يَكُونُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا تَدَبَّرْ
(وَقِيلَ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ) أَيْ النِّيَّةُ وَالتَّرْتِيبُ وَاسْتِيعَابُ الرَّأْسِ (مُسْتَحَبَّةٌ) وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقُدُورِيِّ وَاخْتِيَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ كَوْنَهَا سُنَّةً جَمِيعًا وَجَعَلَ صَاحِبُ الْمُخْتَارِ اثْنَيْنِ مِنْهَا سُنَّةً، وَهُمَا النِّيَّةُ وَالتَّرْتِيبُ وَجَعَلَ اسْتِيعَابَ الرَّأْسِ مُسْتَحَبًّا (وَالْوِلَاءُ) بِكَسْرِ الْوَاوِ وَالْمَدِّ بِمَعْنَى التَّتَابُعِ، وَحَدُّهُ الْمُعْتَبَرُ هُوَ أَنْ لَا يَشْتَغِلَ الْمُتَوَضِّئُ بَيْنَ أَفْعَالِ الْوُضُوءِ بِعَمَلٍ لَيْسَ مِنْهُ وَهُوَ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَنَا خِلَافًا لِمَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَهُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَاظَبَ عَلَيْهِ وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُوَاظَبَةَ لَيْسَتْ دَلِيلَ الْفَرْضِ.
(وَمَسْحُ الْأُذُنَيْنِ بِمَاءِ الرَّأْسِ) أَيْ بِمَاءِ مَسْحِ الرَّأْسِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ بِمَاءٍ جَدِيدٍ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَخَذَ لِلْأُذُنَيْنِ مَاءً جَدِيدًا» وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اغْتَرَفَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ وَمَسَحَ بِهَا رَأْسَهُ وَأُذُنَيْهِ» فَيُحْمَلُ مَا رَوَاهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ تَبْقَ فِي كَفِّهِ بَلَّةٌ.
(وَمُسْتَحَبُّهُ) أَيْ الْوُضُوءِ (التَّيَامُنُ) الْمُسْتَحَبُّ مَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ وَلَا يُلَامُ عَلَى تَرْكِهِ التَّيَامُنُ أَيْ الشُّرُوعُ مِنْ جَانِبِ الْيَمِينِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى التَّنَعُّلِ وَالتَّرَجُّلِ» التَّرَجُّلُ امْتِشَاطُ الرَّجُلِ شَعْرَهُ فَإِنْ قُلْت قَدْ وَاظَبَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَلَى التَّيَامُنِ فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ السُّنَنِ
قُلْت إنَّمَا وَاظَبَ عَلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ الْعَادَةِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي السُّنِّيَّةِ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى سَبِيلِ الْعِبَادَةِ (وَمَسْحُ الرَّقَبَةِ) لَا الْحُلْقُومِ فَإِنَّ مَسْحَهُ بِدْعَةٌ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَيْسَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ حَصْرَ مُسْتَحَبَّاتِهِ فِيمَا ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّ لَهُ مُسْتَحَبَّاتٍ كَثِيرَةً وَعَبَّرَ عَنْهَا بَعْضُهُمْ بِالْآدَابِ فَقَالُوا: وَمِنْ آدَابِهِ أَيْ بَعْضِ آدَابِهِ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ عِنْدَ الْوُضُوءِ وَدَلْكُ أَعْضَائِهِ، وَإِدْخَالُ خِنْصِرِهِ صِمَاخَ أُذُنِهِ وَتَقْدِيمُهُ عَلَى الْوَقْتِ لِغَيْرِ الْمَعْذُورِ وَتَحْرِيكُ خَاتَمِهِ الْوَاسِعِ، وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا يَجِبُ نَزْعُهُ أَوْ تَحْرِيكُهُ، وَعَدَمُ الِاسْتِعَانَةِ بِالْغَيْرِ وَعَنْ الْوَبَرِيِّ لَا بَأْسَ بِصَبِّ الْخَادِمِ، وَعَدَمُ التَّكَلُّمِ بِكَلَامِ النَّاسِ، وَالْجُلُوسُ فِي مَكَان مُرْتَفِعٍ احْتِرَازًا عَنْ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ نِيَّةِ الْقَلْبِ وَفِعْلِ اللِّسَانِ، وَالتَّسْمِيَةُ عِنْدَ كُلِّ عُضْوٍ وَالدُّعَاءُ بِالْمَأْثُورَاتِ مِنْ الْأَدْعِيَةِ عِنْدَ غَسْلِ كُلِّ عُضْوٍ بِأَنْ يَقُولَ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ " اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَعَلَى ذِكْرِك وَشُكْرِك وَحُسْنِ عِبَادَتِك " وَعِنْدَ الِاسْتِنْشَاقِ " اللَّهُمَّ أَرِحْنِي رَائِحَةَ الْجَنَّةِ " وَعِنْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ " اللَّهُمَّ بَيِّضْ وَجْهِي يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ " وَعِنْدَ غَسْلِ يَدِهِ الْيُمْنَى " اللَّهُمَّ أَعْطِنِي كِتَابِي بِيَمِينِي وَحَاسِبْنِي حِسَابًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute