ذِكْرُهُ؛ لِأَنَّ فِي لِلْوِعَاءِ وَتَكْرِيرُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: ٦٠] يُؤْذِنُ بِفَضْلِ تَرْجِيحٍ لِهَذَيْنِ عَلَى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ كَمَا فِي الْكَشَّافِ ثُمَّ الْمَذْكُورُ ثَمَانِيَةُ أَصْنَافٍ وَقَدْ سَقَطَتْ مِنْهُمْ الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ وَجْهُ السُّقُوطِ بَيِّنٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ فَلْيُرَاجَعْ (هُوَ) أَيْ الْمَصْرِفُ (الْفَقِيرُ وَهُوَ مَنْ لَهُ شَيْءٌ دُونَ نِصَابٍ) فَيَجُوزُ الدَّفْعُ لَهُ، وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا مُكْتَسِبًا كَمَا فِي الْعِنَايَةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى الْفَقِيرِ الْكَسُوبِ وَمَا فِي الْمِعْرَاجِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَطِيبُ الْأَخْذُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ الدَّفْعِ جَوَازُ الْأَخْذِ كَظَنِّ الْغَنِيِّ فَقِيرًا لَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ لِأَنَّ فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ جَوَازُ أَخْذِهَا لِمَنْ مَلَكَ أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ كَمَا يَجُوزُ دَفْعُهَا لَكِنَّ عَدَمَ الْأَخْذِ أَوْلَى لِمَنْ لَهُ سَدَادٌ مِنْ عَيْشٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(وَالْمِسْكِينُ) مِفْعِيلٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا فِي لُغَةِ بَنِي أَسَدٍ مِنْ السُّكُونِ؛ لِأَنَّهُ يَسْكُنُ قَلْبُهُ عَلَى النَّاسِ ثُمَّ فَسَّرَ مَعْنَاهُ الشَّرْعِيَّ وَالْعُرْفِيَّ فَقَالَ (مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ) وَهُوَ أَسْوَءُ حَالًا مِنْ الْفَقِيرِ عِنْدَنَا قَالَ الشَّاعِرُ
أَمَّا الْفَقِيرُ الَّذِي كَانَتْ حَلُوبَتُهُ ... وَفْقَ الْعِيَالِ فَلَمْ يُتْرَكْ لَهُ سَبَدُ
سَمَّاهُ فَقِيرًا وَلَهُ حَلُوبَةٌ (وَقِيلَ بِالْعَكْسِ) يَعْنِي: الْفَقِيرُ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ وَالْمِسْكِينُ هُوَ مَنْ لَهُ شَيْءٌ دُونَ نِصَابٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ وَلِكُلٍّ وَجْهٌ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْأَصَحُّ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُمَا صِنْفَانِ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ فِي الْآيَةِ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمَا صِنْفٌ وَاحِدٌ وَتَظْهَرُ ثَمَرَتُهُ فِي الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ لَا فِي الزَّكَاةِ.
(وَالْعَامِلُ) هُوَ الَّذِي يَبْعَثُهُ الْإِمَامُ بِجِبَايَةِ الصَّدَقَاتِ عَبَّرَ بِالْعَامِلِ دُونَ الْعَاشِرِ لِيَشْمَلَ السَّاعِيَ (يُعْطَى بِقَدْرِ عَمَلِهِ) مَا يَكْفِيهِ وَأَعْوَانَهُ بِالْوَسَطِ مُدَّةَ ذَهَابِهِمْ وَإِيَابِهِمْ غَيْرَ مُقَدَّرٍ بِالثَّمَنِ فَإِنْ اسْتَغْرَقَتْ كِفَايَتُهُ الزَّكَاةَ فَلَا يُزَادُ عَلَى النِّصْفِ؛ لِأَنَّ التَّنْصِيفَ عَيْنُ الْإِنْصَافِ، وَلَوْ هَلَكَ مَا جَمَعَهُ يَسْتَحِقُّ شَيْئًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ مُقَدَّرٌ بِالثَّمَنِ.
(وَلَوْ) كَانَ (غَنِيًّا) لَا هَاشِمِيًّا لِمَا فِيهِ مِنْ شُبْهَةِ الصَّدَقَةِ وَالْأُجْرَةِ، وَلَوْ اُسْتُعْمِلَ فِيهَا الْهَاشِمِيُّ وَرُزِقَ مِنْ غَيْرِ الزَّكَاةِ لَا بَأْسَ بِهِ وَجَوَّزَ الطَّحَاوِيُّ أَنْ يَكُونَ الْهَاشِمِيُّ عَامِلًا وَإِنَّمَا حَلَّتْ لِلْغَنِيِّ مَعَ حُرْمَةِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِ أَنَّهُ فَرَّغَ نَفْسَهُ لِهَذَا الْعَمَلِ فَيَسْتَحِقُّ كِفَايَتَهُ فِي مَالِهِمْ وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُقَوِّي مَا نُسِبَ إلَى بَعْضِ الْفَتَاوَى مِنْ أَنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَالَ الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا إذَا فَرَّغَ نَفْسَهُ لِإِفَادَةِ الْعِلْمِ وَاسْتِفَادَتِهِ لِكَوْنِهِ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَى مَا لَا بُدَّ مِنْهُ كَالْقَاضِي وَالْمُفْتِي وَيُعْمَلُ لِلْفُقَرَاءِ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ يَدَهُ كَأَيْدِيهِمْ بَعْدَ الْوُجُوبِ فَاسْتَوْجَبَ أَجْرًا عَلَيْهِمْ فَصَارَ مَا اسْتَحَقَّهُ صَدَقَةً مِنْ وَجْهٍ أُجْرَةً مِنْ وَجْهٍ.
(وَالْمُكَاتَبُ) عَطْفٌ عَلَى الْفَقِيرِ أَيْ مُكَاتَبُ غَيْرِهِ، وَلَوْ مَوْلَاهُ غَنِيًّا هُوَ الصَّحِيحُ وَقَالُوا لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى مُكَاتَبٍ هَاشِمِيٍّ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute