(الصَّوْمِ يُفْطِرُ وَيُطْعِمُ لِكُلِّ يَوْمٍ) مِسْكِينًا (كَالْفِطْرَةِ) عِبَارَةُ يُطْعِمُ تُنْبِئُ عَنْ عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى التَّمْلِيكِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ عَلَى مَا يُشْعِرُ بِهِ لَفْظُ الْفِدْيَةِ فَإِنَّهَا تَمْلِيكُ مَا بِهِ يُتَخَلَّصُ عَنْ مَكْرُوهٍ تَوَجَّهَ إلَيْهِ لَكِنْ فِي التَّلْوِيحِ أَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ مَفْعُولَهُ الثَّانِيَ إذَا ذُكِرَ فَلِلتَّمْلِيكِ وَإِلَّا فَلِلْإِبَاحَةِ وَفِي التَّبْيِينِ قَالَ مَالِكٌ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَهُوَ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الصَّوْمِ فَأَشْبَهَ الْمَرِيضَ إذَا مَاتَ قَبْلَ الْبُرْءِ، وَلَنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -.
وَلَوْ كَانَ الشَّيْخُ الْفَانِي مُسَافِرًا فَمَاتَ قَبْلَ الْإِقَامَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْإِيصَاءُ بِالْفِدْيَةِ.
وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ تَصَدَّقَ بِاللَّيْلِ مِنْ صَوْمِ الْغَدِ يُجْزِيهِ (وَإِنْ قَدَرَ) عَلَى الصَّوْمِ (بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَمَا فَدَى (لَزِمَهُ الْقَضَاءُ) ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْخَلَفِ وَهُوَ الْفِدْيَةُ دَوَامُ الْعَجْزِ.
(وَحَامِلٌ) أَيْ ذَاتُ حَمَلٍ بِالْفَتْحِ أَيْ لَهَا وَلَدٌ فِي الْبَطْنِ وَالْحَامِلَةُ الْمَرْأَةُ الَّتِي عَلَى ظَهْرِهَا أَوْ رَأْسِهَا حِمْلٌ بِكَسْرِ الْحَاءِ (أَوْ مُرْضِعٌ) أَيْ ذَاتُ الرَّضَاعِ أَيْ الَّتِي لَهَا وَلَدٌ رَضِيعٌ وَإِنْ لَمْ تُبَاشِرْ الْإِرْضَاعَ فِي حَالِ وَضْعِهَا وَالْمُرْضِعَةُ الَّتِي هِيَ فِي حَالِ الْإِرْضَاعِ مُلْقِمَةٌ ثَدْيَهَا لِلصَّبِيِّ كَمَا فِي الْكَشَّافِ وَبِهَذَا ظَهَرَ ضَعْفُ مَا قِيلَ: وَلَا يَجُوزُ إدْخَالُ التَّاءِ كَمَا فِي حَائِضٍ وَطَالِقٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الصِّفَةِ الثَّابِتَةِ لَا الْحَادِثَةِ وَأَمَّا إذَا أُرِيدَ الْحُدُوثُ يَجُوزُ إدْخَالُ التَّاءِ بِأَنْ يُقَالَ حَائِضَةٌ الْآنَ أَوْ غَدًا (خَافَتْ) كُلُّ وَاحِدَةٍ يُعْلَمُ الضَّرَرُ بِاجْتِهَادِهَا أَوْ بِقَوْلِ طَبِيبٍ مُسْلِمٍ غَيْرِ ظَاهِرِ الْفِسْقِ (عَلَى نَفْسِهَا أَوْ وَلَدِهَا) الْمَخْصُوصِ بِالْمُرْضِعِ الَّتِي هِيَ الْأُمُّ وَهُوَ الظَّاهِرُ قِيلَ الْمُرَادُ بِالْمُرْضِعِ هَاهُنَا الظِّئْرُ بِوُجُوبِ الْإِرْضَاعِ عَلَيْهَا بِالْعَقْدِ بِخِلَافِ الْأُمِّ فَإِنَّ الْأَبَ يَسْتَأْجِرُ غَيْرَهَا لَكِنْ يَرُدُّهُ إضَافَةُ الْوَلَدِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُضَافُ إلَى الْمُسْتَأْجَرَةِ؛ وَلِأَنَّ الْإِرْضَاعَ وَاجِبٌ عَلَى الْأُمِّ دِيَانَةً لَا سِيَّمَا إذَا لَمْ تَكُنْ لِلزَّوْجِ قُدْرَةٌ عَلَى اسْتِئْجَارِ الظِّئْرِ فَصَارَتْ كَالظِّئْرِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْوُجُوبُ دِيَانَةٌ عَلَى تَقْدِيرِ الْقُدْرَةِ وَكَلَامُنَا فِي أَنَّ الْأُمَّ حَالَةَ الصَّوْمِ لَا تَقْدِرُ عَلَى الْإِرْضَاعِ فَلَا يَجِبُ فَلَا عُذْرَ نَعَمْ إذَا تَعَيَّنَتْ الْأُمُّ لِلْإِرْضَاعِ بِفَقْدِ الظِّئْرِ أَوْ بِعَدَمِ قُدْرَةِ الزَّوْجِ عَلَى اسْتِئْجَارِهَا أَوْ بِعَدَمِ أَخْذِ الْوَلَدِ ثَدْيَ غَيْرِ الْأُمِّ يَجِبُ عَلَيْهَا الْإِرْضَاعُ؛ لِأَنَّهُ إفْطَارٌ بِعُذْرٍ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِصِيَانَةِ الْوَلَدِ، وَهِيَ لَا تَتَأَتَّى بِدُونِ الْإِفْطَارِ فَلَا خُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ مَا فِي ذِمَّتِهِ بِدُونِهِ فَالْعُذْرُ فِي نَفْسِهِ وَلَا يُنَافِيهِ كَوْنُهُ لِأَجْلِهِ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا قِيلَ نَعَمْ هُوَ عُذْرٌ لَكِنْ لَا فِي نَفْسِ الصَّائِمِ بَلْ لِأَجْلِ غَيْرِهِ، وَمِثْلُهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ بِقَتْلِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ الشُّرْبُ (تُفْطِرُ وَتَقْضِي بِلَا فِدْيَةٍ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِيمَا إذَا خَافَتْ عَلَى الْوَلَدِ هُوَ يُعْتَبَرُ بِالشَّيْخِ الْفَانِي وَلَنَا أَنَّ الْفِدْيَةَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فِي الشَّيْخِ الْفَانِي وَالْإِفْطَارَ بِسَبَبِ الْوَلَدِ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَلِلْوَلَدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute