بِرَبِّ الْبَيْتِ مِنْ الدَّيْنِ وَالْفَقْرِ وَضِيقِ الصَّدْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ» (وَابْتَدَأَ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ) الَّذِي كَانَ أَبْيَضَ مُضِيئًا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ثُمَّ صَارَ أَسْوَدَ لِيَحْتَجِبَ أَهْلُ الدُّنْيَا عَنْ زِينَةِ الْعُقْبَى، وَالْمَرْئِيُّ مِنْهُ قَدْرُ شِبْرٍ أَرْبَعَةُ أَصَابِعَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (فَاسْتَقْبَلَهُ) اسْتِحْبَابًا هَذَا مَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ وَلَمْ يَخَفْ فَوْتَ الْمَكْتُوبَةِ أَوْ الْوِتْرِ أَوْ السُّنَّةِ الرَّاتِبَةِ أَوْ الْجَمَاعَةِ فَإِذَا خَشِيَ قَدَّمَ الصَّلَاةَ عَلَى الطَّوَافِ (وَكَبَّرَ وَهَلَّلَ) حَالَ كَوْنِهِ (رَافِعًا يَدَيْهِ كَالصَّلَاةِ) أَيْ كَمَا يَرْفَعُ الْيَدَيْنِ لَهَا ثُمَّ يُرْسِلُهُمَا وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ يَجْعَلُ بَطْنَ كَفَّيْهِ نَحْوَ الْحَجَرِ رَافِعًا لَهُمَا حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْإِمْلَاءِ يَسْتَقْبِلُ بِبَاطِنِ كَفَّيْهِ الْقِبْلَةَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَاسْتِلَامِ الْحَجَرِ وَقُنُوتِ الْوِتْرِ وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ وَيَسْتَقْبِلَ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاءِ عِنْدَ رَفْعِ الْأَيْدِي عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَبِعَرَفَاتٍ وَعِنْدَ الْجَمْرِ (وَيُقَبِّلُهُ) أَيْ الْحَجَرَ بِلَا تَصْوِيتٍ (إنْ اسْتَطَاعَ مِنْ غَيْرِ إيذَاءٍ) بِأَحَدٍ (أَوْ يَسْتَلِمُهُ) إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ غَيْرَ مُؤْذٍ، وَالِاسْتِلَامُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ: أَنْ يَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى الْحَجَرِ وَيُقَبِّلَهُ بِفَمِهِ (أَوْ يَمَسُّهُ) إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ بِالْيَدِ غَيْرَ مُؤْذٍ (شَيْئًا) كَائِنًا (فِي يَدِهِ وَيُقَبِّلُهُ) أَيْ ذَلِكَ الشَّيْءَ (أَوْ يُشِيرُ إلَيْهِ) أَيْ الْحَجَرِ حَالَ كَوْنِهِ (مُسْتَقْبِلًا) إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ بِالْيَدِ غَيْرَ مُؤْذٍ (مُكَبِّرًا مُهَلِّلًا حَامِدًا لِلَّهِ تَعَالَى مُصَلِّيًا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وَيَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ: اللَّهُمَّ إيمَانًا بِك وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِكَ وَوَفَاءً بِعَهْدِك وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ نَبِيَّك مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ إلَيْك بَسَطْت يَدَيَّ وَفِيمَا عِنْدَك عَظُمَتْ رَغْبَتِي فَاقْبَلْ دَعْوَتِي وَأَقِلْ عَثْرَتِي وَارْحَمْ تَضَرُّعِي وَجُدْ لِي بِمَغْفِرَتِك وَأَعِذْنِي مِنْ مُعْضِلَاتِ الْفِتَنِ.
(وَيَطُوفُ) طَوَافَ الْقُدُومِ وَيُقَالُ لَهُ: طَوَافُ التَّحِيَّةِ وَطَوَافُ اللِّقَاءِ وَطَوَافُ أَوَّلِ عَهْدٍ بِالْبَيْتِ وَهُوَ سُنَّةٌ لِلْآفَاقِيِّ لَا لِلْمَكِّيِّ؛ لِأَنَّهُ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَلَا يُسَنُّ لِلْجَالِسِ فِيهِ وَيُسَنُّ لِأَهْلِ الْمَوَاقِيتِ وَدَاخِلِهَا وَخَارِجِهَا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ.
وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْأَصَحِّ حَالَ كَوْنِهِ (آخِذًا) أَيْ شَارِعًا (عَنْ يَمِينِهِ) أَيْ جَانِبَ يَمِينِهِ أَيْ يَمِينَ نَفْسِهِ حَالَةَ اسْتِقْبَالِهِ الْحَجَرَ وَهُوَ يَمِينُ الطَّائِفِ (مِمَّا يَلِي الْبَابَ) أَيْ بَابَ الْكَعْبَةِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَلَوْ أَخَذَ عَنْ يَسَارِهِ يُعْتَدُّ بِطَوَافِهِ فِي حُكْمِ التَّحَلُّلِ عِنْدَنَا وَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ مَا دَامَ بِمَكَّةَ وَإِنْ رَجَعَ قَبْلَ الْإِعَادَةِ فَعَلَيْهِ دَمٌ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُعْتَدُّ بِطَوَافِهِ (وَقَدْ اضْطَبَعَ رِدَاءَهُ بِأَنْ جَعَلَهُ) أَيْ وَسَطَ الرِّدَاءِ (تَحْتَ إبْطِهِ الْأَيْمَنِ وَأَلْقَى طَرَفَيْهِ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ) وَيَكُونُ كَتِفُهُ الْأَيْمَنُ مَكْشُوفًا وَالْأَيْسَرُ مُغَطًّى هُوَ تَفْسِيرُ الِاضْطِبَاعِ يُقَالُ: اضْطَبَعَ بِثَوْبِهِ وَقَوْلُهُمْ اضْطَبَعَ رِدَاءَهُ سَهْوٌ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ وَهُوَ سُنَّةٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.
(وَيَجْعَلُ طَوَافَهُ وَرَاءَ الْحَطِيمِ) حَتَّى لَوْ طَافَ مِمَّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ لَا يَجُوزُ لَكِنْ إنْ اسْتَقْبَلَ الْمُصَلِّي الْحَطِيمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute