تَقَعُ فِي الْمَعْصِيَةِ لِتَقْصِيرِهَا فِي الْأَمْرِ وَاسْتَشْكَلَ مِنْ حَيْثُ إنَّ هَذَا إيجَابٌ لِلسُّؤَالِ عَلَيْهَا وَإِثْبَاتُ الْمَعْصِيَةِ بِالْعَمَلِ بِمَا ظَهَرَ عِنْدَهَا، وَلَيْسَ السُّؤَالُ إلَّا لِدَفْعِ مَا هُوَ مُتَوَهَّمُ الْوُجُودِ بَعْدَ تَحَقُّقِ عَدَمِهِ فَهُوَ وِزَانُ إعْلَامِهِ إيَّاهَا إذْ هُوَ أَيْضًا لِمِثْلِ ذَلِكَ فَإِذَا كَانَ إعْلَامُهُ مُسْتَحَبًّا؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ خَالِصٌ حَقُّهُ فَكَذَا سُؤَالُهَا يَكُونُ مُسْتَحَبًّا؛ لِأَنَّهَا فِي النِّكَاحِ كَذَلِكَ انْتَهَى. وَيُمْكِنُ التَّوْجِيهُ بِوَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْوُقُوعَ فِي الْمَعْصِيَةِ لَا يُوجِبُ الْعِصْيَانَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَقَعَ فِي الْمَعْصِيَةِ وَلَا تَكُونَ عَاصِيَةً لِعَدَمِ عِلْمِهَا بِهَا، وَاسْتِحْقَاقُ الْفَاعِلِ بِالْعَذَابِ مَشْرُوطٌ بِالْعِلْمِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ كَيْ لَا تَقَعَ فِي الْمَعْصِيَةِ دُونَ أَنْ يَقُولَ كَيْ لَا تَكُونَ عَاصِيَةً، وَأَمَّا احْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ الرِّوَايَةُ فِي يَقَعَ بِالتَّحْتَانِيَّةِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فَبَعِيدٌ لَا يُلَائِمُ الْمَسَاقَ مَعَ أَنَّهُ يُوجِبُ الْوُجُوبَ لَا الِاسْتِحْبَابَ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْمُسْتَحَبِّ لَا يُوجِبُ الْمَعْصِيَةَ تَدَبَّرْ.
(وَلَوْ قَالَ) الزَّوْجُ (بَعْدَ) انْقِضَاءِ (الْعِدَّةِ كُنْت رَاجَعْتُك فِيهَا) أَيْ فِي الْعِدَّةِ (فَصَدَّقَتْهُ) الْمَرْأَةُ (صَحَّتْ) الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَثْبُتُ بِتَصَادُقِهِمَا فَالرَّجْعَةُ أَوْلَى (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تُصَدِّقْهُ (فَلَا) تَصِحُّ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ وَلَا يَمْلِكُ الْإِنْشَاءَ فِي الْحَالِ وَهِيَ مُنْكِرَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ مِنْ الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ الَّتِي لَا يَمِينَ فِيهَا عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا فَلَوْ أَقَامَ بَعْدَ الْعِدَّةِ أَنَّهُ قَالَ فِي عِدَّتِهَا قَدْ رَاجَعْتهَا أَوْ أَنَّهُ قَالَ قَدْ جَامَعْتهَا كَانَتْ رَجْعَةً كَمَا لَوْ قَالَ فِيهَا كُنْت رَاجَعْتُك أَمْسِ وَإِنْ كَذَّبَتْهُ.
وَفِي الْمِنَحِ وَهَذَا مِنْ أَعْجَبِ الْمَسَائِلِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ إقْرَارُ نَفْسِهِ بِالْبَيِّنَةِ بِمَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ فِي الْحَالِ لَمْ يَكُنْ مَقْبُولًا.
(وَلَوْ) (قَالَ رَاجَعْتُك) يُرِيدُ بِهِ الْإِنْشَاءَ (فَقَالَتْ) مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ إذْ الْفَاءُ تَدُلُّ عَلَى التَّعْقِيبِ حَالَ كَوْنِهَا (مُجِيبَةً لَهُ انْقَضَتْ عِدَّتِي) (فَالْقَوْلُ لَهَا وَلَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ الِانْقِضَاءِ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ؛ لِأَنَّهَا لَوْ سَكَتَتْ سَاعَةً ثُمَّ أَجَابَتْ لَا تُصَدَّقُ وَتَصِحُّ الرَّجْعَةُ إجْمَاعًا (خِلَافًا لَهُمَا) ؛ لِأَنَّهَا صَادَفَتْ وَقْتَ الْعِدَّةِ إذْ هِيَ بَاقِيَةٌ ظَاهِرَةٌ.
وَفِي التَّبْيِينِ وَتُسْتَحْلَفُ الْمَرْأَةُ بِالْإِجْمَاعِ وَالْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ الرَّجْعَةِ أَنَّ الْيَمِينَ فَائِدَتُهَا النُّكُولُ وَهُوَ بَذْلٌ عِنْدَهُ وَبَذْلُ الِامْتِنَاعِ مِنْ التَّزَوُّجِ وَالِاحْتِبَاسُ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ جَائِزٌ بِخِلَافِ الرَّجْعَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ فَإِنَّ بَذْلَهَا لَا يَجُوزُ فِيهَا، ثُمَّ إذَا نَكَلَتْ تَثْبُتُ الرَّجْعَةُ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الْعِدَّةِ لِكَوْنِهَا ضَرُورَةً بِمَنْزِلَةِ ثُبُوتِ النَّسَبِ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ بِنَاءً عَلَى شَهَادَتِهَا بِالْوِلَادَةِ انْتَهَى لَكِنْ فِي قَوْلِهِ وَتُسْتَحْلَفُ الْمَرْأَةُ هَاهُنَا بِالْإِجْمَاعِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَا اعْتِبَارَ بِقَوْلِ الْمَرْأَةِ مَعَ يَمِينِهَا كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ قَالَ زَوْجُ الْأَمَةِ بَعْدَ) مُضِيِّ (الْعِدَّةِ كُنْت رَاجَعْت فِيهَا) أَيْ فِي الْعِدَّةِ (فَصَدَّقَهُ سَيِّدُهَا وَكَذَّبَتْهُ) الْمَرْأَةُ (فَالْقَوْلُ لَهَا) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ تُبْتَنَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute