كَالرَّحْمَةِ فَهِيَ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ وَكُلُّ صِفَةٍ يُوصَفُ بِهَا وَلَا يُوصَفُ بِضِدِّهَا كَالْعِزَّةِ فَهِيَ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ، وَقَالُوا إنَّ ذِكْرَ الصِّفَاتِ لِلذَّاتِ كَذِكْرِ الذَّاتِ وَذِكْرَ صِفَاتِ الْفِعْلِ لَيْسَ كَذِكْرِ الذَّاتِ وَالْحَلِفُ بِاَللَّهِ مَشْرُوعٌ دُونَ غَيْرِهِ، لَكِنَّ هَذَا الطَّرِيقَ غَيْرُ مَرْضِيٍّ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ بِهَذَا الْفَرْقِ الْإِشَارَةَ إلَى مَذْهَبِهِمْ أَنَّ صِفَاتِ الْفِعْلِ غَيْرُ اللَّهِ وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى لَا هُوَ وَلَا غَيْرُهُ كُلُّهَا قَدِيمَةٌ فَلَا يَسْتَقِيمُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْكَافِي وَلِهَذَا اخْتَارَ الْمُصَنِّفُ هَذَا فَقَالَ يَحْلِفُ بِهَا عُرْفًا وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ (لَا) يَكُونُ الْيَمِينُ (بِغَيْرِ اللَّهِ) فَإِنَّهُ حَرَامٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ لَأَنْ أَحْلِفَ بِاَللَّهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ صَادِقًا وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ الْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ شِرْكٌ فَمَا أَقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِغَيْرِ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ مِنْ اللَّيْلِ وَالضُّحَى وَغَيْرِهِمَا لَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَحْلِفَ بِهَا وَمَا اعْتَادَ النَّاسُ مِنْ الْحَلِفِ " بجان نُون وسرتو " فَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ حَلِفٌ وَالْبِرُّ بِهِ وَاجِبٌ يُكَفِّرُ.
وَقَالَ عَلِيٌّ الرَّازِيّ إنِّي أَخَافُ الْكُفْرَ عَلَى مَنْ قَالَ بِحَيَاتِي وَحَيَاتِك وَمَا أَشْبَهَهُ.
وَفِي الْمُنْيَةِ أَنَّ الْجَاهِلَ الَّذِي يَحْلِفُ بِرُوحِ الْأَمِيرِ وَحَيَاتِهِ وَرَأْسِهِ لَمْ يَتَحَقَّقْ إسْلَامُهُ بَعْدُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (كَالْقُرْآنِ) وَسُورَةٍ مِنْهُ وَالْمُصْحَفُ وَالشَّرَائِعُ وَالْعِبَادَاتُ كَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا (وَالنَّبِيِّ وَالْعَرْشِ وَالْكَعْبَةِ) ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ مَا تَعَارَفُوهَا يَمِينًا وَذَلِكَ إذَا لَمْ يُرِدْ بِالْقُرْآنِ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ أَمَّا لَوْ أُرِيدَ فَيَكُونُ يَمِينًا هَذَا إذَا قَالَ وَالْقُرْآنِ وَالنَّبِيِّ، أَمَّا لَوْ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْقُرْآنِ وَالنَّبِيِّ فَإِنَّهُ يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ مِنْهُمَا كُفْرٌ، وَتَعْلِيقُ الْكُفْرِ بِالشَّرْطِ يَمِينٌ، وَلَوْ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْمُصْحَفِ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَلَوْ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِمَّا فِي الْمُصْحَفِ يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ مَا فِي الْمُصْحَفِ قُرْآنٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْقُرْآنِ كَمَا فِي الْكَافِي.
وَفِي الْفَتْحِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْحَلِفَ بِالْمُصْحَفِ الْآنَ مُتَعَارَفٌ فَيَكُونُ يَمِينًا وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُرَاجَعْ.
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ لَوْ حَلَفَ بِالْمُصْحَفِ أَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ أَوْ قَالَ وَحَقُّ هَذَا فَهُوَ يَمِينٌ وَلَا سِيَّمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ الَّذِي كَثُرَ فِيهِ الْحَلِفُ بِهِ (وَلَا) يَكُونُ الْيَمِينُ أَيْضًا (بِصِفَةٍ لَا يُحْلَفُ بِهَا عُرْفًا) أَيْ فِي عُرْفِ الْعَرَبِ (كَرَحْمَتِهِ) تَعَالَى مِنْ الصِّفَاتِ الْحَقِيقِيَّةِ فَإِنَّ مَرْجِعَهُ الْإِرَادَةُ إذْ الْمَعْنَى إرَادَةُ الْإِنْعَامِ (وَعِلْمِهِ) صِفَةٌ بِهَا لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ (وَرِضَاهُ) أَيْ تَرْكُهُ الِاعْتِرَاضَ لَا الْإِرَادَةَ كَمَا قَالَ الْمُعْتَزِلَةُ فَإِنَّ الْكُفْرَ مَعَ كَوْنِهِ مُرَادًا لَهُ تَعَالَى لَيْسَ مَرْضِيًّا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ وَيُؤَاخَذُ بِهِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَغَضَبِهِ) أَيْ انْتِقَامِهِ وَكَوْنِهِ مُعَاقِبًا لِمَنْ عَصَاهُ (وَسَخَطِهِ) أَيْ إنْزَالِ عُقُوبَتِهِ وَفِي الْأَصْلِ الْغَضَبُ الشَّدِيدُ الْمُقْتَضِي لِلْعُقُوبَةِ (وَعَذَابِهِ) أَيْ عُقُوبَتِهِ (وَقَوْلُهُ) مُبْتَدَأٌ (لَعَمْرُ اللَّهِ) عَطْفُ بَيَانٍ (يَمِينٌ) خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ وَالْعَمْرُ هُوَ الْبَقَاءُ مَضْمُومًا وَمَفْتُوحًا وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي الْيَمِينِ إلَّا الْمَفْتُوحُ وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute