{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: ٢] وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إلَّا فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَالْجَوَارِي، وَقَيَّدْنَا بِقَوْلِنَا عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَ حُرْمَتَهُ مُعَلَّقَةً عَلَى فِعْلِهِ فَلَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ، كَمَا لَوْ قَالَ إنْ أَكَلْت هَذَا الطَّعَامَ فَهُوَ عَلَيَّ حَرَامٌ فَأَكَلَهُ لَا يَحْنَثُ كَمَا فِي الْبَحْرِ، وَلَوْ قَالَ شَيْئًا مَكَانَ مِلْكِهِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْأَعْيَانَ وَالْأَفْعَالَ وَمِلْكَهُ وَمِلْكَ غَيْرِهِ، وَمَا كَانَ حَلَالًا وَمَا كَانَ حَرَامًا فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا إذَا قَالَ كَلَامُك عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ مَعِي أَوْ الْكَلَامُ مَعَك حَرَامٌ كَمَا فِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهِ (وَقَوْلُهُ كُلُّ حَلَالٍ عَلَيَّ حَرَامٌ) يُحْمَلُ (عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ) إلَّا أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ ذَلِكَ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ كَمَا فَرَغَ؛ لِأَنَّهُ بَاشَرَ فِعْلًا مُبَاحًا وَهُوَ التَّنَفُّسُ وَنَحْوُهُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَقْصُودَ الْبِرُّ وَلَا يَحْصُلُ إلَّا عَلَى اعْتِبَارِ الْعُمُومِ فَيَسْقُطُ الْعُمُومُ فَيَنْصَرِفُ إلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يُتَنَاوَلُ عَادَةً، وَلَوْ نَوَى امْرَأَتَهُ دَخَلَتْ مَعَ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَصَارَ مُولِيًا وَإِنْ نَوَى امْرَأَتَهُ وَحْدَهَا صُدِّقَ وَلَا يَحْنَثُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ قَالَ مَشَايِخُنَا هَذَا فِي عُرْفِهِمْ أَمَّا فِي عُرْفِنَا يَكُونُ طَلَاقًا عُرْفًا وَيَقَعُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُمْ تَعَارَفُوهُ فَصَارَ كَالصَّرِيحِ وَعَنْ هَذَا قَالَ (وَالْفَتْوَى) عَلَى (أَنَّهُ تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ بِلَا نِيَّةٍ) لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ حَتَّى لَوْ قَالَ لَمْ أَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً هَذَا إذَا كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ فَإِنْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِانْصِرَافِهِ عِنْدَ عَدَمِ الزَّوْجَةِ إلَيْهِمَا كَمَا فِي النِّهَايَةِ (وَمِثْلُهُ) قَوْلُهُ (حَلَال بروى حرام) وَمَعْنَاهُ الْحَلَالُ عَلَيْهِ حَرَامُ أَوْ حَلَالُ اللَّهِ أَوْ حَلَالُ الْمُسْلِمِينَ (وَقَوْلُهُ هرجه بدست راست كيرم بروي حَرَامٌ) .
وَفِي التَّبْيِينِ وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ تُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُجْعَلُ طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لِلْعُرْفِ.
وَفِي الْكَافِي لَوْ قَالَ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَلَهُ امْرَأَتَانِ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى وَاحِدَةٍ وَعَلَيْهِ الْبَيَانُ فِي الْأَظْهَرِ، لَكِنْ فِي الْبَحْرِ وَإِنْ كُنَّ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا تَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ.
(وَمَنْ نَذَرَ) بِمَا هُوَ وَاجِبٌ قَصْدًا مِنْ جِنْسِهِ وَهُوَ عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ (نَذْرًا مُطْلَقًا) غَيْرَ مُعَلَّقٍ بِشَرْطٍ بِقَرِينَةِ التَّقَابُلِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ أَوْ اعْتِكَافٌ أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ وَأَرَادَ بِهِ شَيْئًا بِعَيْنِهِ كَالصَّدَقَةِ، فَإِنَّ هَذِهِ عِبَادَاتٌ مَقْصُودَةٌ وَمِنْ جِنْسِهَا وَاجِبٌ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ النَّذْرُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْ النَّاذِرَ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ فَرْضٌ كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَالسِّقَايَةِ وَعِمَارَتِهِمَا وَإِكْرَامِ الْأَيْتَامِ وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَزِيَارَةِ الْقُبُورِ وَزِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَكْفَانِ الْمَوْتَى وَتَطْلِيقِ امْرَأَتِهِ وَتَزْوِيجِ فُلَانَةَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ فِي الْفُرُوضِ الْمَقْصُودَةِ كَمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ عَلَى الْمُصَنِّفِ تَقْيِيدُهُ كَمَا قَيَّدْنَاهُ تَأَمَّلْ
(أَوْ) نَذَرَ (مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ يُرِيدُهُ) أَيْ يُرِيدُ وُجُودَهُ بِجَلْبِ مَنْفَعَةٍ أَوْ دَفْعِ مَضَرَّةٍ (كَإِنْ قَدِمَ غَائِبِي) أَوْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي أَوْ مَاتَ عَدُوِّي فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ سَنَةٍ أَوْ عِتْقُ مَمْلُوكٍ أَوْ صَلَاةٌ (وَوُجِدَ) ذَلِكَ الشَّرْطُ عَطْفٌ عَلَى نَذْرِ الْمُقَدَّرِ فِي قَوْلِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute