(كُلَّمَا أَقَرَّ رَدَّهُ) الْحَاكِمُ وَقَالَ أَبِكَ دَاءٌ أَوْ جُنُونٌ أَوْ غَيْرُهُ (حَتَّى يَغِيبَ عَنْ بَصَرِهِ) وَفِيهِ تَسَامُحٌ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَرُدُّهُ فِي الرَّابِعَةِ، بَلْ يَقْبَلُهُ فَلَوْ قَيَّدَهُ بِإِلَّا مَرَّةً رَابِعَةً لَكَانَ أَوْلَى.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّ الْإِقْرَارَ لَمْ يُعْتَبَرْ عِنْدَ غَيْرِ الْإِمَامِ حَتَّى لَوْ شَهِدُوا بِذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُنْكِرًا قَدْ رَجَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ وَإِلَّا فَلَا عِبْرَةَ بِالشَّهَادَةِ وَلَوْ أَقَرَّ بِالزِّنَى مَرَّتَيْنِ وَشَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ لَا يُحَدُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ (ثُمَّ سَأَلَ كَمَا مَرَّ) أَيْ سَأَلَهُ الْحَاكِمُ عَنْ مَاهِيَّتِه وَكَيْفِيَّتِهِ وَمَزْنِيَّتِهِ وَمَكَانِهِ (سِوَى الزَّمَانِ) ؛ لِأَنَّ التَّقَادُمَ مَانِعُ الشَّهَادَةِ لَا الْإِقْرَارُ لَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ يَسْأَلُهُ لِجَوَازِ أَنَّهُ زَنَى فِي صِبَاهُ أَوْ فِي حَالَةِ الْجُنُونِ كَمَا فِي بَعْضِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِوُجُوبِ السُّؤَالِ.
وَفِي السِّرَاجِيَّةِ يَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَهُ (فَبَيَّنَهُ) أَيْ بَيَّنَ الْمُقِرُّ مَا ذُكِرَ مِنْ الشَّرْطِ فَإِذَا بَيَّنَهُ لَزِمَ الْحَدُّ لِظُهُورِ الْحَقِّ.
(وَنُدِبَ تَلْقِينُهُ) أَيْ تَلْقِينُ الْحَاكِمِ الْمُقِرَّ (لِيَرْجِعَ) عَنْ إقْرَارِهِ (بِلَعَلَّك قَبَّلْت أَوْ لَمَسْت أَوْ وَطَّأْت بِشُبْهَةٍ) أَوْ نَظَرْت أَوْ بَاشَرْت أَوْ تَزَوَّجْت تَحْقِيقًا لِمَعْنَى السَّتْرِ فَلَوْ ادَّعَى الزَّانِي أَنَّهَا زَوْجَتُهُ سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُ وَإِنْ كَانَتْ زَوْجَةً لِلْغَيْرِ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زِنَائِهِ بِهَا أَوْ اشْتَرَاهَا لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ لَهُ وَقْتَ الْفِعْلِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَتَقَادَمْ أَوْ كَانَ بِالْإِقْرَارِ تَدَبَّرْ (فَإِنْ رَجَعَ) الْمُقِرُّ عَنْ إقْرَارِهِ (قَبْلَ الْحَدِّ) أَيْ قَبْلَ الْحُكْمِ بِالْحَدِّ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ (أَوْ فِي أَثْنَائِهِ) قَبْلَ الْمَوْتِ (تُرِكَ) وَخُلِّيَ سَبِيلُهُ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى فَإِنَّ عِنْدَهُمَا يُحَدُّ لِوُجُودِ الْحَدِّ بِإِقْرَارِهِ فَلَا يَبْطُلُ بِرُجُوعِهِ وَإِنْكَارِهِ.
(، وَالْحَدُّ لِلْمُحْصَنِ) بِكَسْرِ الصَّادِ وَفَتْحِهَا (رَجْمُهُ) لَمْ يَقُلْ بِالْحِجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَبَرٌ فِي مَفْهُومِ الرَّجْمِ (فِي فَضَاءٍ) أَيْ أَرْضٍ فَارِغَةٍ وَاسِعَةٍ (حَتَّى يَمُوتَ) مُتَعَلِّقٌ بِرَجْمِهِ، وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْحَدِيثِ وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ فِي رَجْمِهِ وَهَرَبَ أُتْبِعَهُ، وَهَذَا إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ وَأَمَّا إذَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ فَلَا يَتْبَعُهُ فَإِنَّهُ رُجُوعٌ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِيهِ وَبِأَنَّهُ لَا بَأْسَ لِكُلِّ مَنْ رَمَى أَنْ يَتَعَمَّدَ قَتْلَهُ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبُ الْقَتْلِ إلَّا مَنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَقْصِدُ مَقْتَلَهُ؛ لِأَنَّ بِغَيْرِهِ كِفَايَةً كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَرْجُمُهُ وَلَكِنْ لَا يَقْصِدُ مَقْتَلَهُ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَا يَرْجُمُهُ أَصْلًا، وَهَذَا بَعْدَ الْقَضَاءِ بِهِ وَأَمَّا قَبْلَهُ فَيَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الْعَمْدِ، وَالدِّيَةِ فِي الْخَطَإِ إذَا قَتَلَهُ (يَبْدَأُ بِهِ الشُّهُودُ) أَيْ يَجِبُ بِدَايَةُ الشُّهُودِ بِالرَّجْمِ وَلَوْ بِحَصَاةٍ صَغِيرَةٍ هَكَذَا عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَلِأَنَّهُمْ قَدْ يَتَجَاسَرُونَ عَلَى الْأَدَاءِ، ثُمَّ يَسْتَعْظِمُونَ الْمُبَاشَرَةَ فَيَرْجِعُونَ وَفِيهِ ضَرْبُ احْتِيَالٍ فِي الدَّرْءِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا تُشْتَرَطُ بِدَايَتُهُمْ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ حُضُورُهُمْ وَبِدَايَتُهُمْ اعْتِبَارًا بِالْجَلْدِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يُحْسِنُ الْجَلْدَ فَرُبَّمَا يَقَعُ مُهْلِكًا، وَالْإِهْلَاكُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ، وَكَذَلِكَ الرَّجْمُ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ (فَإِنْ أَبَوْا) أَيْ الشُّهُودُ كُلًّا أَوْ بَعْضًا عَنْ الرَّجْمِ (أَوْ غَابُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute