للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ لَيْسَ بِزَانٍ؛ لِأَنَّهُ جِنَايَةُ قَذْفٍ، وَقَدْ امْتَنَعَ الْحَدُّ لِفَقْدِ الْإِحْصَانِ فَوَجَبَ التَّعْزِيرُ؛ وَلِهَذَا يَبْلُغُ فِي التَّعْزِيرِ غَايَتَهُ.

(أَوْ قَذَفَ مُسْلِمًا) صَالِحًا (بِيَا فَاسِقُ) إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْفِسْقِ فَلَا يُعَزَّرُ، فَإِنْ أَرَادَ الْقَاذِفُ إثْبَاتَ الْفِسْقِ مُجَرَّدًا مِنْ غَيْرِ بَيَانِ سَبَبِهِ لَا تُسْمَعُ، فَإِنْ بَيَّنَ سَبَبًا شَرْعِيًّا لَا يَطْلُبُ الْقَاضِي مِنْهُ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ، بَلْ يَسْأَلُ الْمَقُولَ لَهُ عَنْ الْفَرَائِضِ الَّتِي تُفْرَضُ عَلَيْهِ مَعْرِفَتُهَا، فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهَا ثَبَتَ فِسْقُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَائِلِ لَهُ يَا فَاسِقُ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْمُسْلِمِ اتِّفَاقِيٌّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَذَفَ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا يُعَزَّرُ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً كَمَا فِي الْبَحْرِ (يَا كَافِرُ) ، أَوْ يَا يَهُودِيُّ وَأَرَادَ الشَّتْمَ وَلَا يَعْتَقِدُهُ كُفْرًا فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ وَلَا يُكَفَّرُ، وَلَوْ اعْتَقَدَ الْمُخَاطَبَ كَافِرًا كَفَرَ؛ لِأَنَّهُ اعْتَقَدَ الْإِسْلَامَ كُفْرًا.

وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ قَالَ لِيَهُودِيٍّ أَوْ مَجُوسِيٍّ يَا كَافِرُ يَأْثَمُ إنْ شَقَّ عَلَيْهِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يُعَزَّرُ لِارْتِكَابِهِ مَا أَوْجَبَ الْإِثْمَ انْتَهَى.

لَكِنْ فِيهِ مَا فِيهِ تَأَمَّلْ.

(يَا خَبِيثُ) ضِدُّ الطَّيِّبِ (يَا لِصُّ) يَا سَارِقُ (يَا فَاجِرُ) إلَّا أَنْ يَكُونَ لِصًّا، أَوْ فَاجِرًا كَمَا فِي الْبَحْرِ (يَا مُنَافِقُ يَا لُوطِيُّ) قِيلَ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ مِنْ قَوْمِ لُوطٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَهُمْ يُعَزَّرُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَيُحَدُّ عِنْدَهُمَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُعَزَّرُ إنْ كَانَ فِي غَضَبٍ، وَفِي الْبَحْرِ، أَوْ هَزْلُ مَنْ تَعَوَّدَ الْهَزْلَ، وَالْقَبِيحَ (يَا مَنْ يَلْعَبُ بِالصِّبْيَانِ يَا آكِلَ الرِّبَا يَا شَارِبَ الْخَمْرِ) ، وَالْحَالُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى مَا وَصَفَهُ بِهِ (يَا دَيُّوثُ) أَيْ: الَّذِي لَا غَيْرَةَ لَهُ مِمَّنْ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِهِ (يَا مُخَنَّثُ) هُوَ الَّذِي فِي حَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ خُنُوثَةٌ أَيْ: لِينٌ وَاَلَّذِي يَفْعَلُ الْفِعْلَ الرَّدِيَّ (يَا خَائِنُ) مِنْ الْخِيَانَةِ (يَا ابْنَ الْقَحْبَةِ) .

وَفِي الْإِصْلَاحِ لَا يُقَالُ الْقَحْبَةُ فِي الْعُرْفِ أَفْحَشُ مِنْ الزَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الزَّانِيَةَ قَدْ تَفْعَلُ سِرًّا وَتَأْنَفُ مِنْهُ، وَالْقَحْبَةُ مَنْ تُجَاهِرُ بِهِ بِالْأُجْرَةِ لِإِتْيَانِ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لِذَلِكَ الْمَعْنَى لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ بِذَلِكَ اللَّفْظِ فَإِنَّ الزِّنَى بِالْأُجْرَةِ يُسْقِطُ الْحَدَّ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا انْتَهَى.

فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ أَنْ يُحَدَّ عِنْدَهُمَا بِهَذَا اللَّفْظِ مَعَ أَنَّ الْخِلَافَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ، بَلْ الْجَوَابُ أَنَّ الزِّنَى صَرِيحٌ فِي ابْنِ الزَّانِيَةِ بِخِلَافِ فِي ابْنِ الْقَحْبَةِ؛ فَلِهَذَا لَمْ يُحَدَّ فِيهِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا قَحْبَةُ يُعَزَّرُ بِخِلَافِ يَا روسبى فَإِنَّهُ يُحَدُّ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْعُرْفِ بِالزِّنَاءِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ يَا قَحْبَةُ؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ الزَّانِيَةِ لَكِنْ فِي الْمُضْمَرَاتِ التَّصْرِيحُ يُوجِبُ الْحَدَّ فِيهِ تَأَمَّلْ.

(يَا ابْنَ الْفَاجِرَةِ) فَإِنَّهَا مَنْ تُبَاشِرُ كُلَّ مَعْصِيَةٍ فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى الزَّانِيَةِ فَكَذَا يُعَزَّرُ بِطَلَبِ الْوَلَدِ بِقَوْلِهِ يَا ابْنَ الْفَاسِقِ يَا ابْنَ الْكَافِرِ، وَالنَّصْرَانِيُّ وَأَبُوهُ لَيْسَ كَذَلِكَ (يَا زِنْدِيقُ) ، وَهُوَ الَّذِي يُبْطِنُ الْكُفْرَ وَيُظْهِرُ الْإِسْلَامَ (يَا قَرْطَبَانٌ) ، وَهُوَ مُعَرَّبُ قَلْتَبَانٍ.

وَفِي التَّبْيِينِ هُوَ الَّذِي يَرَى مَعَ امْرَأَتِهِ أَوْ مَعَ مَحْرَمِهِ رَجُلًا أَجْنَبِيًّا فَيَدَعُهُ خَالِيًا بِهَا؛ وَلِذَا كَانَ أَفْحَشَ مِنْ الدَّيُّوثِ وَقِيلَ هُوَ السَّبَبُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ اثْنَيْنِ لِمَعْنًى غَيْرِ مَمْدُوحٍ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي يَبْعَثُ امْرَأَتَهُ مَعَ غُلَامٍ بَالِغٍ، أَوْ مَعَ مُزَارِعِهِ إلَى الضَّيْعَةِ، أَوْ يَأْذَنُ فِي الدُّخُولِ عَلَيْهَا فِي غَيْبَتِهِ (يَا مَأْوَى الزَّوَانِي، أَوْ) يَا مَأْوَى (اللُّصُوصِ، أَوْ يَا حَرَامْ زَادَهْ) وَمَعْنَاهُ الْوَلَدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>