أَنْ يَحُدَّ فِيهِ حَدًّا، وَقَالَ: الْكَثِيرُ الْفَاحِشُ مَا يَسْتَفْحِشُهُ النَّاسُ وَيَسْتَكْثِرُونَهُ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: شِبْرٌ فِي شِبْرٍ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي مُخْتَصَرِهِ عَنْ الطَّرَفَيْنِ الرُّبُعَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ الرُّبُعَ لَهُ حُكْمُ الْكُلِّ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي تَفْسِيرِ الرُّبُعِ قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ رُبُعُ جَمِيعِ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ، وَقِيلَ: رُبُعُ كُلِّ عُضْوٍ وَطَرَفٍ أَصَابَتْهُ النَّجَاسَةُ مِنْ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالْكُمِّ هُوَ الْأَصَحُّ (كَبَوْلِ الْفَرَسِ، وَمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ) وَإِنَّمَا خَصَّ ذِكْرَ الْفَرَسِ لِاخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِي كَرَاهَةِ لَحْمِهَا تَنْزِيهًا أَوْ تَحْرِيمًا هَذَا مِثَالٌ لِلنَّجَسِ الْخَفِيفِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بَوْلُ الْفَرَسِ، وَمَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ.
(وَخَرَجَ طَيْرٌ لَا يُؤْكَلُ) هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهَا تَذْرِقُ فِي الْهَوَاءِ، وَالْتِحَامِي عَنْهَا مُتَعَذِّرٌ، وَعِنْدَهُمَا مُغَلَّظَةٌ فِي رِوَايَةِ الْهِنْدُوَانِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَمُخَفَّفَةٌ فِي رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نَجَسٌ نَجَاسَةً غَلِيظَةً.
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: إنَّ خُرْءَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ فِي الْخُرْءِ انْتَهَى، وَهَذَا مُشْكِلٌ عَلَى قَوْلِهِمَا لِمَا عَرَفْت مِنْ مَذْهَبِهِمَا أَنَّ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ يُورِثُ التَّخْفِيفَ وَقَدْ يَتَحَقَّقُ فِيهِ الِاخْتِلَافُ عَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ الْخُرْءُ نَجَاسَةً غَلِيظَةً عِنْدَهُمَا إلَّا أَنْ يُقَالَ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ الْقَائِلَةَ بِالطَّهَارَةِ ضَعِيفَةٌ فَلَمْ تُعَدَّ اخْتِلَافًا تَدَبَّرْ.
(وَبَوْلٌ انْتَضَحَ مِثْلَ رُءُوسِ الْإِبَرِ) جَمْعُ إبْرَةٍ وَهُوَ الْمِخْيَطُ وَلَوْ كَانَ مِقْدَارَ عَرْضِ الْكَفِّ أَوْ أَكْثَرَ إذَا جُمِعَ قِيلَ التَّقْيِيدُ بِالرُّءُوسِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ قَدْرَ جَانِبِهَا الْآخَرِ الْأَكْبَرِ لَمْ يُعْفَ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الرَّأْسِ كَالرَّأْسِ، وَالْمُرَادُ مِنْ رُءُوسِ الْإِبَرِ هَا هُنَا تَمْثِيلٌ لِلتَّقْلِيلِ (عَفْوٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَجِبُ غَسْلُهُ؛ لِأَنَّهُ نَجَسٌ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُعْفَى فِيمَا يُمْكِنُ إزَالَتُهُ وَفِي النَّوَازِلِ رَجُلٌ رَمَى بِعَذِرَةٍ فِي نَهْرٍ فَانْتَضَحَ الْمَاءُ مِنْ وُقُوعِهَا فَأَصَابَ ثَوْبَ إنْسَانٍ أَوْ حِمَارٌ بَالَ فِي الْمَاءِ فَأَصَابَ مِنْ ذَلِكَ الرَّشِّ ثَوْبَ إنْسَانٍ لَا يَضُرُّهُ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ فِيهِ لَوْنُ النَّجَاسَةِ؛ لِأَنَّ فِي إصَابَةِ النَّجَاسَةِ شَكًّا.
(وَدَمُ السَّمَكِ وَخُرْءُ طُيُورٍ مَأْكُولَةٍ طَاهِرٌ) ؛ لِأَنَّ دَمَ السَّمَكِ لَيْسَ بِدَمٍ حَقِيقَةً، وَكَذَا دَمُ الْبَقِّ وَالْقَمْلِ وَالْبُرْغُوثِ وَالذُّبَابِ طَاهِرٌ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ (إلَّا الدَّجَاجَ وَالْبَطَّ وَنَحْوَهُمَا) .
وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ خُرْءَ الدَّجَاجَةِ وَالْبَطِّ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الطُّيُورِ الْكِبَارِ الَّتِي لِخُرْئِهِ رَائِحَةٌ خَبِيثَةٌ نَجَسٌ نَجَاسَةً غَلِيظَةً بِالِاتِّفَاقِ (وَلُعَابُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ طَاهِرٌ) عِنْدَهُمَا أَيْ لَا يَتَنَجَّسُ الشَّيْءُ الطَّاهِرُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ، وَالطَّاهِرُ لَا يَزُولُ طَهَارَتُهُ بِالشَّكِّ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) نَجَسٌ (مُخَفَّفٌ) حَتَّى إذَا فَحُشَ يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ يَتَوَلَّدُ مِنْ اللَّحْمِ النَّجَسِ وَإِنَّمَا قُدِّرَ بِالْكَثِيرِ الْفَاحِشِ لِلضَّرُورَةِ.
(وَمَاءٌ) قَلِيلٌ (وَرَدَ عَلَى نَجَسٍ نَجَسٌ) نَجَاسَةً غَلِيظَةً حَتَّى لَوْ أَصَابَ ثَوْبًا لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْمَاءُ طَاهِرٌ لِغَلَبَتِهِ (كَعَكْسِهِ) أَيْ كَنَجَسٍ وَرَدَ عَلَى مَاءٍ قَلِيلٍ فَإِنَّهُ نَجَسٌ اتِّفَاقًا.
(وَلَوْ لُفَّ ثَوْبٌ طَاهِرٌ فِي رَطْبٍ نَجَسٍ فَظَهَرَتْ فِيهِ رُطُوبَتُهُ إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ عُصِرَ قَطَّرَ تَنَجَّسَ) فَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute