وَإِنْ شَاءَ صَلَبَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ التَّشْهِيرِ بِالْقَتْلِ، وَالْمُبَالَغَةِ بِالصَّلْبِ فَيُخَيَّرُ فِيهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُصْلَبُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ (وَخَالَفَ مُحَمَّدٌ فِي الْقَطْعِ) يَعْنِي قَالَ مُحَمَّدٌ يُقْتَلُ فَقَطْ، أَوْ يُصْلَبُ فَقَطْ وَلَا يُقْطَعُ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِتَوَحُّدِ الْجِنَايَةِ فَلَمْ يَجِبْ حَدَّانِ أَوْ لِلتَّدَاخُلِ كَحَدِّ سَرِقَةٍ وَرَجْمٍ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ وَلَا يُقْطَعُ، وَكَذَا هَذَا أُجِيبَ بِأَنَّهُ حَدٌّ وَاحِدٌ تَغَلُّظَ لِتَغَلُّظِ سَبَبِهِ، وَهُوَ تَفْوِيتُ الْأَمْنِ عَلَى التَّنَاهِي وَأَخْذُ الْمَالِ فَيَكُونُ قَطْعُهُ وَقَتْلُهُ حَدًّا وَاحِدًا مُغَلَّظًا لَا حَدَّيْنِ (وَيُصْلَبُ حَيًّا وَيُبْعَجُ) أَيْ: يُشَقُّ (بَطْنُهُ بِرُمْحٍ حَتَّى يَمُوتَ) .
وَفِي الْجَوْهَرَةِ وَغَيْرِهَا، ثُمَّ يُطْعَنُ بِالرُّمْحِ فِي ثَدْيِهِ الْأَيْسَرِ وَيُحَرَّكُ الرُّمْحُ حَتَّى يَمُوتَ بِهِ تَشْهِيرًا لَهُ وَاسْتِعْجَالًا لِمَوْتِهِ، وَالصَّلْبُ حَيًّا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعَنْ الطَّحَاوِيُّ يُقْتَلُ، ثُمَّ يُصْلَبُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ (وَيُتْرَكُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَقَطْ) أَيْ لَا يُتْرَكُ أَكْثَرَ مِنْهَا حَذَرًا عَنْ تَأَذِّي النَّاسِ بِنَتْنِهِ وَإِذَا تَمَّ لَهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ وَقْتِ مَوْتِهِ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ لِيَدْفِنُوهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُتْرَكُ حَتَّى يَسْقُطَ عِبْرَةً (وَيَرُدُّ مَا أَخَذَهُ) مِنْ الْمَالِ (إلَى مَالِكِهِ إنْ) كَانَ مَا أَخَذَهُ (بَاقِيًا وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَاقِيًا (فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) كَمَا فِي السَّرِقَةِ الصُّغْرَى.
(وَلَوْ بَاشَرَ الْفِعْلَ بَعْضُهُمْ حُدُّوا كُلُّهُمْ) بِمُبَاشَرَةِ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهُ جَزَاءُ الْمُحَارَبَةِ، وَهِيَ تَتَحَقَّقُ بِأَنْ يَكُونَ الْبَعْضُ نَاصِرًا لِلْبَعْضِ حَتَّى إذَا زَلَّتْ أَقْدَامُهُمْ انْضَمُّوا إلَيْهِمْ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ الْقَتْلُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَقَدْ تَحَقَّقَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ حُدَّ الْمُبَاشِرُ فَقَطْ.
(وَإِنْ أَخَذَ مَالًا وَجُرِحَ قُطِعَ) يَدُهُ وَرِجْلُهُ (مِنْ خِلَافٍ، وَالْجُرْحُ هَدَرٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ الْحَدُّ سَقَطَ عِصْمَةُ النَّفْسِ.
(وَإِنْ جَرَحَ فَقَطْ) أَيْ: لَمْ يَقْتُلْ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا (أَوْ قَتَلَ فَتَابَ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ فَلَا حَدَّ) أَيْ: لَا قَطْعَ فِي الْأُولَى وَلَا قَتْلَ فِي الثَّانِي، بَلْ يُقْتَصُّ فِيمَا فِيهِ الْقِصَاصُ وَيُؤْخَذُ الْأَرْشُ مِنْهُ فِيمَا فِيهِ الْأَرْشُ، وَذَلِكَ إلَى الْأَوْلِيَاءِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَعَنْ هَذَا قَالَ (وَالْحَقُّ لِلْوَلِيِّ إنْ شَاءَ عَفَا، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ بِمُوجِبِ الْجِنَايَةِ) وَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ، وَذَلِكَ إلَى الْأَوْلِيَاءِ إمَّا الْقِصَاصُ وَإِمَّا أَرْشُ الْجُرْحِ فَلِلْمَجْرُوحِ كَمَا لَا يَخْفَى وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ تَتَبَّعْ. قَيَّدَ بِالْقَتْلِ لِيُعْلَمَ حُكْمُ أَخْذِ الْمَالِ بِالْأُولَى.
وَفِي الْبَحْرِ رَدُّ الْمَالِ مِنْ تَمَامِ تَوْبَتِهِمْ لِتُقْطَعَ خُصُومَةُ صَاحِبِهِ، وَلَوْ تَابَ وَلَمْ يَرُدَّ الْمَالَ لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ وَقِيلَ يَسْقُطُ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَجِبُ الضَّمَانُ إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ، أَوْ اسْتَهْلَكَهُ.
(وَكَذَا) أَيْ: لَا يُحَدُّ (لَوْ كَانَ فِيهِمْ) أَيْ: فِي الْقُطَّاعِ (صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ، أَوْ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ وَاحِدَةٌ، فَالِامْتِنَاعُ فِي حَقِّ الْبَعْضِ امْتِنَاعٌ فِي حَقِّ الْبَاقِينَ وَإِذَا سَقَطَ الْحَدُّ صَارَ الْقَتْلُ إلَى الْأَوْلِيَاءِ لِظُهُورِ حَقِّ الْعَبْدِ، وَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوا، وَإِنْ شَاءُوا عَفَوْا عَنْهُ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَوْ بَاشَرَ الْعُقَلَاءُ يُحَدُّ الْبَاقُونَ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (أَوْ قَطَعَ بَعْضُ