للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّا كُنَّا نَتَعَرَّضُ لِدِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ قَبْلَ قَبُولِ الْجِزْيَةِ فَبَعْدَمَا قَبِلُوهَا إذَا تَعَرَّضْنَا لَهُمْ، أَوْ تَعَرَّضُوا لَنَا يَجِبُ لَهُمْ عَلَيْنَا مَا يَجِبُ لِبَعْضِنَا عَلَى بَعْضٍ عِنْدَ التَّعَرُّضِ يُؤَيِّدُهُ اسْتِدْلَالُهُمْ عَلَيْهِ بِقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِيَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا (وَحَرُمَ قِتَالُ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ قَبْلَ أَنْ يُدْعَى) إلَى الْإِسْلَامِ وَمَنْ قَتَلَهُمْ قَبْلَ الدَّعْوَةِ يَأْثَمُ لِلنَّهْيِ عَنْهُ وَلَا يَغْرَمُ بِقَتْلِهِ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مَعْصُومِينَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَضْمَنُونَ الدِّيَةَ (وَنُدِبَ دَعْوَةُ مَنْ بَلَغَتْهُ) الدَّعْوَةُ مُبَالَغَةً فِي الْإِنْذَارِ وَقَطْعِ الْأَعْذَارِ وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ.

وَفِي الْمُحِيطِ تَقْدِيمُ الدَّعْوَةِ إلَى الْإِسْلَامِ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا بَعْدَمَا انْتَشَرَ يَحِلُّ الْقِتَالُ مَعَهُمْ قَبْلَ الدَّعْوَةِ وَيَقُومُ ظُهُورُ الدَّعْوَةِ وَشُيُوعُهَا مَقَامَ دَعْوَةِ كُلِّ مُشْرِكٍ وَهَذَا صَحِيحٌ ظَاهِرٌ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (فَإِنْ أَبَوْا) عَمَّا دَعَوْا إلَيْهِ (نَسْتَعِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى) فَإِنَّهُ النَّاصِرُ لِلْأَوْلِيَاءِ، وَالْقَاهِرُ لِلْأَعْدَاءِ فَيُسْتَعَانُ مِنْهُ فِي كُلِّ الْأُمُورِ (وَنُقَاتِلُهُمْ بِنَصْبِ الْمَجَانِيقِ) جَمْعُ مَنْجَنِيقٍ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَصَبَهَا عَلَى الطَّائِفِ (وَالتَّحْرِيقِ) بِالنَّارِ أَرَادَ حَرْقَ دُورِهِمْ وَأَمْتِعَتِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَالتَّغْرِيقِ) بِإِرْسَالِ الْمِيَاهِ عَلَى دُورِهِمْ وَبَسَاتِينِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَيْضًا (وَقَطْعِ الْأَشْجَارِ) ، وَلَوْ مُثْمِرَةً (وَإِفْسَادِ الزَّرْعِ) ، وَلَوْ عِنْدَ الْحَصَادِ؛ لِأَنَّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ سَبَبًا لِغَيْظِهِمْ وَكَسْرِ شَوْكَتِهِمْ وَتَفْرِيقِ شَمْلِهِمْ فَيَكُونُ مَشْرُوعًا.

وَفِي الْفَتْحِ هَذَا إذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُمْ مَأْخُوذُونَ بِغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الظَّنُّ أَنَّهُمْ مَغْلُوبُونَ وَأَنَّ الْفَتْحَ دَنَا كُرِهَ؛ لِأَنَّهُ إفْسَادٌ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحَاجَةِ وَمَا أُبِيحَ إلَّا لَهَا (وَنَرْمِيهِمْ) بِالسِّهَامِ.

(وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (تَتَرَّسُوا بِأَسَارَى الْمُسْلِمِينَ) أَيْ، وَإِنْ اتَّخَذُوهُمْ تُرْسًا (وَنَقْصِدُهُمْ) أَيْ: الْكُفَّارَ دُونَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُوهُمْ أَتْرَاسًا (بِهِ) أَيْ: بِالرَّمْيِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ هُنَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ يَتْلَفُ الْمُسْلِمُ بِهِ إلَّا أَنْ يَخَافَ انْهِزَامَنَا، وَإِنْ أَصَابُوا مِنْهُمْ فَلَا دِيَةَ وَلَا كَفَّارَةَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ. قَيَّدَ بِالتَّتَرُّسِ عِنْدَ الْمُحَارَبَةِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ إذَا فَتَحَ بَلْدَةً وَفِيهَا مُسْلِمٌ، أَوْ ذِمِّيٌّ لَا يَحِلُّ قَتْلُ أَحَدٍ مِنْهُمْ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ ذَلِكَ الْمُسْلِمُ، أَوْ الذِّمِّيُّ، وَلَوْ أَخْرَجَ وَاحِدٌ مِنْ عَرْضِ النَّاسِ حَلَّ إذَنْ قَتْلُ الْبَاقِي لِجَوَازِ كَوْنِ الْمُخْرَجِ هُوَ ذَاكَ فَصَارَ فِي كَوْنِ الْمُسْلِمِ فِي الْبَاقِينَ شَكٌّ بِخِلَافِ الْحَالَةِ الْأُولَى فَإِنَّ كَوْنَ الْمُسْلِمِ، أَوْ الذِّمِّيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>