وَهُوَ مَسْحُ مَوْضِعِ النَّجْوِ، وَالنَّجْوُ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَدَنِ يُقَالُ: نَجَا وَأَنْجَا إذَا أَحْدَثَ وَالسِّينُ لِلطَّلَبِ كَأَنَّهُ طَلَبَ النَّجْوَ، وَفِي الْأَصْلِ أَعَمُّ مِنْهُ لِكَوْنِهِ بِالْمَاءِ تَارَةً وَبِالْأَحْجَارِ أُخْرَى (سُنَّةٌ) لِمُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَاعْتِرَاضُ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّ الْمُوَاظَبَةَ مِنْ غَيْرِ تَرْكِ دَلِيلِ الْوُجُوبِ، وَدَفْعُهُ بِتَقْيِيدِهِ مَعَ التَّرْكِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ بِقَدْرِ دَلِيلِهِ، وَمُوَاظَبَتُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَيْسَتْ دَلِيلًا عَلَى الْوُجُوبِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَالْقَائِلُ بِدَلَالَتِهَا عَلَى الْوُجُوبِ إنَّمَا يَقُولُ عِنْدَ سَلَامَتِهَا عَنْ مُعَارِضٍ، وَقَدْ وَقَعَ الْمُعَارِضُ هَا هُنَا، وَهُوَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، وَمَنْ فَعَلَ هَذَا فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا» حَرَجَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا لَمَّا انْتَفَى الْحَرَجُ عَنْ تَارِكِهِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَثَبَتَ بِالْمُوَاظَبَةِ سُنِّيَّتُهُ تَدَبَّرْ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ فَرْضٌ فَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ (مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ غَيْرُ الرِّيحِ) وَنَحْوُهُ مِمَّا هُوَ غَيْرُ الْخَارِجِ الْمَذْكُورِ كَالنَّوْمِ وَالْإِغْمَاءِ وَالْفَصْدِ وَالْخَارِجِ مِنْ قُرْحِ السَّبِيلَيْنِ وَإِنَّمَا اسْتَثْنَى ذَلِكَ، وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْمَنْعِ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّ الِاسْتِنْجَاءَ فِيهَا بِدْعَةٌ.
(وَمَا سُنَّ فِيهِ عَدَدٌ) أَيْ لَمْ يُسَنَّ فِي اسْتِنْجَاءِ الْأَحْجَارِ عَدَدٌ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّ عِنْدَهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّثْلِيثِ (بَلْ يَمْسَحُهُ بِنَحْوِ حَجَرٍ) وَمَدَرٍ وَطِينٍ يَابِسٍ وَتُرَابٍ وَخَشَبٍ وَقُطْنٍ وَخِرْقَةٍ وَغَيْرِهَا طَاهِرَةً وَفِي النَّظْمِ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِثَلَاثَةِ أَمْدَارٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِالْأَحْجَارِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا كَفَى التُّرَابُ وَلَا يَسْتَنْجِي بِمَا سِوَى الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ يُورِثَ الْفَقْرَ (حَتَّى يُنَقِّيَهُ) أَيْ يُطَهِّرَ بِنَحْوِ حَجَرٍ مَوْضِعَ النَّجْوِ لِأَنَّ الْإِنْقَاءَ هُوَ الْمَقْصُودُ فَلَا يَكُونُ دُونَهُ سُنَّةً (يُدْبِرُ بِالْحَجَرِ الْأَوَّلِ وَيُقْبِلَ بِالثَّانِي) الْإِدْبَارُ الذَّهَابُ إلَى جَانِبِ الدُّبُرِ وَالْإِقْبَالُ ضِدُّهُ.
(وَيُدْبِرَ بِالثَّالِثِ فِي الصَّيْفِ) ؛ لِأَنَّ خُصْيَتَيْهِ تَتَدَلَّى فِي الصَّيْفِ فَيُخْشَى تَلَوُّثُهَا، وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ قَوْلَهُ: وَمَا سُنَّ فِيهِ عَدَدٌ يَقْتَضِي نَفْيَ الْعَدَدِ وَقَوْلُهُ: يُدْبِرُ بِالْحَجَرِ الْأَوَّلِ إلَى آخِرِهِ يَقْتَضِي الْعَدَدَ، فَآخِرُ كَلَامِهِ يُنَافِي أَوَّلَهُ انْتَهَى لَكِنْ يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُنَافٍ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بَيَانَ كَيْفِيَّتِهِ الَّتِي تَحْصُلُ بِهَا زِيَادَةُ الْإِنْقَاءِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ دُونَ كَمِّيَّتِهِ، فَتُخْتَارُ تِلْكَ الْكَيْفِيَّةُ لِكَوْنِهَا أَبْلَغَ، وَأَسْلَمَ عَنْ زِيَادَةِ التَّلْوِيثِ (وَيُقْبِلُ الرَّجُلُ بِالْأَوَّلِ) إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تُدْبِرُ بِالْأَوَّلِ فِي كُلِّ حَالٍ لِئَلَّا يَتَلَوَّثَ فَرْجُهَا.
وَفِي الشُّمُنِّيِّ وَالْمَرْأَةُ تَفْعَلُ فِي الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا كَالرَّجُلِ فِي الشِّتَاءِ لِئَلَّا يَتَلَوَّثَ الْحَجَرُ مِنْ فَرْجِهَا قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى مَخْرَجِهَا (وَيُدْبِرُ بِالثَّانِي وَالثَّالِثِ فِي الشِّتَاءِ) ؛ لِأَنَّ خُصْيَتَيْهِ غَيْرُ مُدَلَّاةٍ فَيُؤْمَنُ مِنْ التَّلْوِيثِ.
(وَغَسْلُهُ) أَيْ الْمَوْضِعِ (بِالْمَاءِ بَعْدَ الْحَجَرِ أَفْضَلُ) إنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ كَشْفِ الْعَوْرَةِ، وَإِلَّا يَكْفِي الِاسْتِنْجَاءُ بِالْحَجَرِ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا: مَنْ كَشَفَ الْعَوْرَةَ لِلِاسْتِنْجَاءِ يَصِيرُ فَاسِقًا.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَمَنْ لَمْ يَجِدْ سُتْرَةً تَرَكَهُ وَلَوْ عَلَى شَطِّ نَهْرٍ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ رَاجِحٌ عَلَى الْأَمْرِ حَتَّى اسْتَوْعَبَ النَّهْيُ الْأَزْمَانَ وَلَمْ يَقْتَضِ الْأَمْرُ التَّكْرَارَ وَاخْتُلِفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute