قَيْدٌ بِطَرِيقِ الِاكْتِسَابِ كَمَا وَقَعَ فِي الْكُتُبِ لِإِخْرَاجِ مُبَادَلَةِ رَجُلَيْنِ مَالَهُمَا بِطَرِيقِ الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ ابْتِدَاءً وَإِنْ كَانَ فِي حُكْمِهِ بَقَاءً. انْتَهَى. وَفِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ ابْتِدَاءً يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ تَبَرُّعًا مَحْضًا لَا مُبَادَلَةً فَخَرَجَ بِقَوْلِهِ الْمُبَادَلَةُ فَلَا حَاجَةَ إلَى هَذَا الْقَيْدِ وَكَذَا لَا حَاجَةَ إلَى قَيْدٍ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ كَمَا قِيلَ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ الْمُبَادَلَةِ أَيْضًا.
(وَيَنْعَقِدُ) الْبَيْعُ أَيْ يَحْصُلُ شَرْعًا (بِإِيجَابٍ) هُوَ كَلَامُ أَوَّلِ مَنْ يَتَكَلَّمُ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ حَالَ إنْشَاءِ الْبَيْعِ سُمِّيَ بِالْإِيجَابِ مُبَالَغَةً لِكَوْنِهِ مُوجِبًا أَيْ مُثْبِتًا لِلْآخَرِ خِيَارَ الْقَبُولِ (وَقَبُولٍ) أَيْ مِنْ إيجَابٍ وَقَبُولٍ أَوْ بِسَبَبِهِمَا وَهُوَ كَلَامُ ثَانِي مَنْ يَتَكَلَّمُ مِنْهُمَا فِي تِلْكَ الْحَالِ. فَعُلِمَ أَنَّ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ مِنْ أَرْكَانِهِ فَمِنْ الظَّنِّ أَنَّهُمَا خَارِجَانِ مِنْ حَقِيقَةِ الْبَيْعِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوَاوُ بِمَعْنَى الْفَاءِ فَإِنَّهُمَا لَوْ كَانَا مَعًا لَمْ يَنْعَقِدْ وَالْإِطْلَاقُ شَامِلٌ لِأَنْوَاعِهِ الْأَرْبَعَةِ: الْجَائِزَ وَالْفَاسِدَ وَالْمَوْقُوفَ وَالْبَاطِلَ. كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ بِالْوَكِيلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ إلَّا فِي الْأَبِ فَإِنَّهُ يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ فِي مَالِ الصَّغِيرِ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ: الْوَاحِدُ لَا يَتَوَلَّى الْعَقْدَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ إلَّا فِي مَسَائِلَ مِنْهَا الْأَبُ إذَا اشْتَرَى مَالَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ أَوْ بَاعَ مَالَهُ مِنْ وَلَدِهِ فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِلَفْظٍ وَاحِدٍ. وَقَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ هَذَا إذَا أَتَى بِلَفْظٍ يَكُونُ أَصْلًا فِي ذَلِكَ اللَّفْظِ بِأَنْ بَاعَ مَالَهُ فَقَالَ بِعْتُ هَذَا مِنْ وَلَدِي فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِقَوْلِهِ: بِعْت. أَمَّا إذَا أَتَى بِلَفْظٍ لَا يَكُونُ هُوَ أَصْلًا فِي اللَّفْظِ بِأَنْ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ مَالَهُ مِنْ وَلَدِهِ فَقَالَ اشْتَرَيْتُ هَذَا الْمَالَ لِوَلَدِي لَا يَكْتَفِي بِقَوْلِهِ اشْتَرَيْتُ وَيَحْتَاجُ إلَى قَوْلِهِ بِعْتُ. وَمِنْهَا الْوَصِيُّ إذَا بَاعَ مَالَهُ مِنْ الْيَتِيمِ أَوْ يَشْتَرِي مَالَ الْيَتِيمِ لِنَفْسِهِ وَكَانَ ذَلِكَ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ وَمِنْهَا الْوَصِيُّ إذَا اشْتَرَى مَالَ الْيَتِيمِ لِلْقَاضِي بِأَمْرِ الْقَاضِي وَمِنْهَا الْعَبْدُ يَشْتَرِي لِنَفْسِهِ مِنْ مَوْلَاهُ بِأَمْرِهِ وَأَمَّا الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَا يَعْقِدُ لِنَفْسِهِ لِأَنَّ فِعْلَهُ قَضَاءٌ وَقَضَاؤُهُ لِنَفْسِهِ بَاطِلٌ فَلَا يَمْلِكُ كَمَا لَا يَمْلِكُ تَزْوِيجَ الْيَتِيمَةِ مِنْ نَفْسِهِ (بِلَفْظِ الْمَاضِي كَبِعْت وَاشْتَرَيْت) لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ وَالشَّرْعُ قَدْ اعْتَبَرَ الْإِخْبَارَ إنْشَاءً فِي جَمِيعِ الْعُقُودِ فَيَنْعَقِدُ بِهِ وَلِأَنَّ الْمَاضِيَ إيجَابٌ وَقَطْعٌ وَالْمُسْتَقْبَلَ عِدَةٌ أَوْ أَمْرٌ وَتَوْكِيلٌ وَلِهَذَا انْعَقَدَ بِالْمَاضِي.
وَفِي الْقُنْيَةِ يَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ مُسْتَقْبَلَيْنِ ثُمَّ قَالَ لَا يَنْعَقِدُ وَبَيَّنَ التَّوْفِيقَ بَيْنَ قَوْلَيْنِ بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالْمُضَارِعِ الْحَالَ يَنْعَقِدُ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الِاسْتِقْبَالَ وَالْوَعْدَ لَا؛ لِأَنَّ الْمُضَارِعَ يَحْتَمِلُ الْحَالَ وَالِاسْتِقْبَالَ.
وَفِي التُّحْفَةِ بِاللَّفْظَيْنِ الْمَاضِيَيْنِ يَنْعَقِدُ بِدُونِ النِّيَّةِ وَأَمَّا بِصِيغَةِ الْمُسْتَقْبَلِ لَا إلَّا بِالنِّيَّةِ.
قَالَ صَاحِبُ الْقُنْيَةِ وَهَذَا الْفِقْهُ وَهُوَ أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ عَلَامَةَ الرِّضَى، وَالْإِخْبَارُ عَنْ الْحَالِ أَدَلُّ عَلَى الرِّضَى وَقْتَ الْعَقْدِ مِنْ الْمَاضِي. فَقَوْلُ الْهِدَايَةِ وَلَا يَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ: أَحَدَهُمَا لَفْظُ الْمُسْتَقْبَلِ مَحَلُّهُ مَا إذَا خَلَا عَنْ النِّيَّةِ أَوْ مُرَادُهُ الْمُسْتَقْبَلُ الْمُصَدَّرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute