أَنْ يَقْبَلَ كُلَّ الْمَبِيعِ بِكُلِّ الثَّمَنِ فِي الْمَجْلِسِ)
أَيْ فِي مَجْلِسِ الْإِيجَابِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِالْخِطَابِ أَوْ بِالرَّسُولِ كَمَا إذَا قَالَ لِرَسُولِهِ قُلْ لِفُلَانٍ بِعْت عَبْدِي مِنْهُ بِكَذَا فَذَهَبَ الرَّسُولُ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ الْمُشْتَرِي فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ اشْتَرَيْت أَوْ بِالْكِتَابِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سَفِيرٌ فَمَجْلِسُهُ كَمَجْلِسِ الْعَقْدِ بِالْخِطَابِ فَلَوْ قَالَ بِعْت مِنْهُ فَبَلِّغْهُ يَا فُلَانُ فَبَلَّغَهُ هُوَ رَجُلٌ آخَرُ جَازَ بِخِلَافِ مَا لَمْ يَقُلْ بَلِّغْهُ فَبَلَّغَهُ فَقَبِلَ، لَا يَجُوزُ لِأَنَّ شَرْطَ الْعَقْدِ فِي الْبَيْعِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ غَائِبٍ اتِّفَاقًا كَمَا فِي النِّكَاحِ عَلَى الْأَظْهَرِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ وَفِي الزَّاهِدَيَّ لَوْ قَالَ بِعْنِي مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ فَحَضَرَ الْغَائِبُ فِي الْمَجْلِسِ فَقَالَ اشْتَرَيْت صَحَّ (أَوْ يَتْرُكُ) كُلَّ الْمَبِيعِ بِعَيْنٍ إذَا قَالَ الْبَائِعُ بِعْتُك هَذَا بِكَذَا فَالْآخَرُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَبِلَهُ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ غَيْرُ مُجْبَرٍ فَيَخْتَارُ أَيَّهمَا شَاءَ فَهَذَا خِيَارُ الْقَبُولِ فَيَمْتَدُّ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ لِلْحَاجَةِ إلَى التَّفَكُّرِ وَالتَّرَوِّي، وَالْمَجْلِسُ جَامِعٌ لِلْمُتَفَرِّقَاتِ فَاعْتُبِرَ سَاعَاتُهُ سَاعَةً وَاحِدَةً دَفْعًا لِلْعُسْرِ وَتَحْقِيقًا لِلْيُسْرِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَمْتَدُّ بَلْ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ (لَا) يَقْبَلُ آخَرُ بَائِعًا كَانَ أَوْ مُشْتَرِيًا (بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ) أَيْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ كُلَّ الْمَبِيعِ بِبَعْضِ الثَّمَنِ أَوْ بَعْضَهُ بِكُلِّهِ أَوْ بِبَعْضِهِ لِأَنَّهُ تَفْرِيقٌ لِلصَّفْقَةِ وَأَنَّهُ ضَرَرٌ بِالْبَائِعِ فَإِنَّ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ ضَمَّ الرَّدِيءِ إلَى الْجَيِّدِ فِي الْبَيْعِ لِتَرْوِيجِ الرَّدِيءِ فَلَوْ صَحَّ التَّفْرِيقُ يَزُولُ الْجَيِّدُ عَنْ مِلْكِهِ وَيَبْقَى الرَّدِيءُ فَيَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْمُشْتَرِي يَرْغَبُ فِي الْجَمِيعِ فَإِذَا فَرَّقَ الْبَائِعُ الصَّفْقَةَ عَلَيْهِ يَتَضَرَّرُ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْآخَرُ بِذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ بَعْدَ قَبُولِهِ فِي الْبَعْضِ وَيَكُونَ الْمَبِيعُ بِمَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ بِالْأَجْزَاءِ كَعَبْدٍ وَاحِدٍ أَوْ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا فَأَمَّا مَا لَا يَنْقَسِمُ إلَّا بِالْقِيمَةِ كَثَوْبَيْنِ أَوْ عَبْدَيْنِ فَلَا يَجُوزُ وَإِنْ قَبِلَ الْآخَرُ (إلَّا إذَا بَيَّنَ ثَمَنَ كُلٍّ) مِمَّا قَبِلَ الْآخَرُ وَمِمَّا تَرَكَ لِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى رِضَاهُ بِالتَّفْرِيقِ وَلِأَنَّ الْإِيجَابَ حِينَئِذٍ فِي مَعْنَى إيجَابَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ أَمَّا إذَا كَرَّرَ فِي الْبَيَانِ لَفْظَ الْبَيْعِ بِأَنْ قَالَ بِعْتُك هَذَيْنِ بِدِرْهَمَيْنِ بِعْت هَذَا بِدِرْهَمٍ وَبِعْت هَذَا بِدِرْهَمٍ يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَأَمَّا إذَا لَمْ يُكَرِّرْ بِأَنْ قَالَ بِعْتُك هَذَيْنِ بِدِرْهَمَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ بِدِرْهَمٍ فَيَجُوزُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِلْإِمَامِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ لَفْظِ بِعْت عِنْدَهُ وَبِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ عِنْدَهُمَا كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَذْكُرَ الْخِلَافَ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ تَدَبَّرْ.
(وَإِنْ رَجَعَ الْمُوجِبُ) سَوَاءٌ كَانَ بَائِعًا أَوْ مُشْتَرِيًا (أَوْ قَامَ أَحَدُهُمَا) يَعْنِي لَوْ كَانَا قَاعِدَيْنِ فَقَامَ أَحَدُهُمَا (عَنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ الْقَبُولِ) ظَرْفٌ لَرَجَعَ وَقَامَ عَلَى سَبِيلِ التَّنَازُعِ (بَطَلَ الْإِيجَابُ)
أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الرُّجُوعِ لُزُومُ إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ وَهُوَ مُنْتَفٍ هَهُنَا لِأَنَّ الْإِيجَابَ لَا يُفِيدُ الْحُكْمَ بِدُونِ الْقَبُولِ فَإِنْ قِيلَ إنْ كَانَ الْمُوجِبُ الْمُشْتَرِي فَفِي رُجُوعِهِ إبْطَالُ حَقِّ الْبَائِعِ وَهُوَ تَمَلُّكُهُ الثَّمَنَ وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ فَفِي رُجُوعِهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمُشْتَرِي وَهُوَ تَمَلُّكُهُ الْمَبِيعَ أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَقَّ لِلْمُوجِبِ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ وِلَايَةَ التَّمَلُّكِ لِلْآخَرِ وَبِأَنَّ حَقَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute