بِالشِّرَاءِ أَوْ الْقَبْضِ) أَيْ قَبْضِ الْمَبِيعِ (كَافٍ لَا نَظَرُ الرَّسُولِ) .
وَفِي الدُّرَرِ اعْلَمْ أَنَّ هُنَا وَكِيلًا بِالشِّرَاءِ وَوَكِيلًا بِالْقَبْضِ وَرَسُولًا. صُورَةُ التَّوْكِيلِ بِالشِّرَاءِ أَنْ يَقُولَ الْمُوَكِّلُ كُنْ وَكِيلًا عَنِّي بِشِرَاءِ كَذَا أَوْ صُورَةُ التَّوْكِيلِ بِالْقَبْضِ أَنْ يَقُولَ كُنْ وَكِيلًا عَنِّي بِقَبْضِ مَا اشْتَرَيْته وَمَا رَأَيْته وَصُورَةُ الرِّسَالَةِ أَنْ يَقُولَ كُنْ رَسُولًا عَنِّي بِقَبْضِهِ فَرُؤْيَةُ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ تُسْقِطُ الْخِيَارَ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَيْهِ وَرُؤْيَةُ الْوَكِيلِ الثَّانِي تُسْقِطُ عِنْدَ الْإِمَامِ إذَا قَبَضَهُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ فَحِينَئِذٍ لَيْسَ لَهُ وَلَا لِلْوَكِيلِ أَنْ يَرُدَّهُ إلَّا مِنْ عَيْبٍ وَأَمَّا إذَا قَبَضَهُ مَسْتُورًا ثُمَّ رَآهُ فَأَسْقَطَ الْخِيَارَ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ لِأَنَّهُ إذَا قُبِضَ مَسْتُورًا يَنْتَهِي التَّوْكِيلُ بِالْقَبْضِ النَّاقِصِ فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ قَصْدًا لِصَيْرُورَتِهِ أَجْنَبِيًّا بَلْ لِلْمُوَكِّلِ الْخِيَارُ وَرُؤْيَةُ الرَّسُولِ لَا تُسْقِطُ الْخِيَارَ بِالْإِجْمَاعِ (وَعِنْدَهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (هُوَ) أَيْ الرَّسُولُ (كَالْوَكِيلِ) .
وَفِي الْفَرَائِدِ هَذَا سَهْوٌ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ وَعِنْدَهُمَا الْوَكِيلُ بِالْقَبْضِ كَالرَّسُولِ فِي عَدَمِ إسْقَاطِ رُؤْيَةِ الْخِيَارِ لِأَنَّ عَدَمَ إسْقَاطِ رُؤْيَةِ الرَّسُولِ الْخِيَارَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ إنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ إذَا قَبَضَهُ نَاظِرًا إلَيْهِ فَإِنَّ رُؤْيَتَهُ تُسْقِطُ الْخِيَارَ عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْقَبْضِ وَكِيلٌ بِإِتْمَامِ الْعَقْدِ وَتَمَامُهُ بِتَمَامِ الصَّفْقَةِ وَتَمَامُهَا بِسُقُوطِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ فَصَارَ قَبْضُهُ كَقَبْضِ الْمُوَكِّلِ مَعَ الرُّؤْيَةِ بِخِلَافِ الرَّسُولِ لِأَنَّهُ غَيْرُ نَائِبٍ عَنْ الْمُشْتَرِي وَعِنْدَهُمَا لَا يَسْقُطُ بِرُؤْيَةِ الْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ بِالْقَبْضِ لَا بِإِسْقَاطِ الْخِيَارِ فَلَا يَمْلِكُهُ مَا لَمْ يَصِرْ وَكِيلًا. وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ لَا تَقْبَلُ الْإِصْلَاحَ أَصْلًا وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقَلْبِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْقَبْضِ كَالرَّسُولِ وَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يَخْفَى فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ انْتَهَى. هَذَا ظَاهِرٌ لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ وَعِنْدَهُمَا كَالْوَكِيلِ بِالْقَبْضِ عِنْدَهُمَا أَيْ هُمَا سَوَاءٌ فِي عَدَمِ إسْقَاطِ رُؤْيَتِهِمَا الْخِيَارَ تَأَمَّلْ.
(وَبَيْعُ الْأَعْمَى وَشِرَاؤُهُ صَحِيحٌ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ لَا يَصِحُّ لَكِنْ لَا وَجْهَ لَهُ إذْ يَلْزَمُ أَنْ يَمُوتَ جُوعًا لَوْ لَمْ يَجِدْ وَكِيلًا بِشِرَاءِ مَا يُطْعَمُ بِهِ (وَلَهُ) أَيْ لِلْأَعْمَى (الْخِيَارُ إذَا اشْتَرَى) لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ وَمَنْ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إذْ رَأَى بِالْحَدِيثِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَفِي الْعِنَايَةِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا لَمْ يَرَهُ سُلِبَ وَهُوَ يَقْتَضِي تَصَوُّرَ الْإِيجَابِ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْبَصِيرِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَسْتَدِلَّ بِمُعَامَلَةِ النَّاسِ الْعُمْيَانِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَإِنَّ ذَلِكَ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ بِمَنْزِلَةِ الْإِجْمَاعِ انْتَهَى لَكِنْ إنْ أَرَادَ بِتَصَوُّرِ الْإِيجَابِ وُقُوعَهُ فَغَيْرُ لَازِمٍ إذْ غَايَةُ كَوْنِ التَّقَابُلِ بَيْنَهُمَا تَقَابُلُ الْعَدَمِ وَالْمَلَكَةِ وَيَكْفِي فِيهَا إمْكَانُ الرُّؤْيَةِ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ شَأْنِهِ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِالْآدَمِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَرَهُ دَائِمًا فَيَنْدَفِعُ بِهِ النَّظَرُ (وَيَسْقُطُ بِجَسِّهِ) أَيْ بِجَسِّ الْأَعْمَى (الْمَبِيعَ) إنْ كَانَ مِمَّا يُعْرَفُ بِالْجَسِّ كَالْغَنَمِ مَثَلًا (أَوْ شَمِّهِ) إنْ كَانَ مِمَّا يُعْرَفُ بِالشَّمِّ كَالْمِسْكِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute