التَّلَقِّي (بِأَهْلِ الْبَلَدِ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَضُرَّ بِأَهْلِ الْبَلَدِ بِأَنْ لَمْ يَكُونُوا مُحْتَاجِينَ إلَيْهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ إلَّا إذَا لَبَسَ سِعْرُ الْبَلَدِ عَلَى الْوَارِدِينَ فَاشْتَرَى مِنْهُمْ بِأَرْخَصَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ.
(وَ) كُرِهَ (بَيْعُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي طَمَعًا فِي غَلَاءِ الثَّمَنِ زَمَنَ الْقَحْطِ) أَيْ يُكْرَهُ بَيْعُ الْبَلَدِيِّ مِنْ الْبَدْوِيِّ فِي زَمَانِ الْقَحْطِ؛ عَلَفَهُ وَطَعَامَهُ طَمَعًا فِي ثَمَنٍ مُتَجَاوِزٍ الْحَدَّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَبِيعُ الْحَاضِرُ لِلْبَادِي» وَلِلضَّرَرِ بِأَهْلِ الْبَلَدِ وَأَيْضًا يُكْرَهُ بَيْعُ الْبَلَدِيِّ لِأَجْلِ الْبَدْوِيِّ فِي الْبَلَدِ كَالسِّمْسَارِ فَيُغَالِي السِّعْرَ عَلَى النَّاسِ وَلَوْ تَرَكَهُ وَبَاعَهُ بِنَفْسِهِ لَلَزِمَ الرُّخْصَةَ فِي السِّعْرِ وَلَمْ يَقَعْ أَهْلُ الْبَلَدِ فِي السِّعْرِ. (اللَّامُ) فِي لِلْبَادِي إمَّا بِمَعْنَى التَّمْلِيكِ أَوْ بِمَعْنَى الْأَجْلِ فَلِهَذَا صُوِّرَ بِوَجْهَيْنِ. قَيَّدَ نَقْلَهُ فِي زَمَنِ الْقَحْطِ لِأَنَّهُ فِي الرُّخْصِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ.
(وَالْبَيْعُ عِنْدَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: ٩] وَلِأَنَّ فِيهِ إخْلَالًا بِوَاجِبِ السَّعْيِ إذَا قَعَدَا لِلْبَيْعِ أَوْ وَقَفَا لَهُ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا تَبَايَعَا وَهُمَا يَمْشِيَانِ إلَيْهَا وَمَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ مُشْكِلٌ لِإِطْلَاقِ الْآيَةِ. ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ هُوَ النِّدَاءُ الْأَوَّلُ إذَا وَقَعَ بَعْدَ الزَّوَالِ عَلَى الْمُخْتَارِ (لَا) يُكْرَهُ (بَيْعٌ مَنْ زَيَّدَ) هَذَا تَصْرِيحٌ لِمَا عُلِمَ ضِمْنًا لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ وَكُرِهَ السَّوْمُ عَلَى سَوْمِ غَيْرِهِ إذَا رَضِيَا بِثَمَنٍ فَإِذَا لَمْ يَتَرَاضَيَا فَلَا كَمَا مَرَّ آنِفًا (وَصَحَّ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ) أَيْ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ مِنْ قَوْلِهِ وَكُرِهَ النَّجْشُ إلَى هُنَا لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لَا تَمْنَعُ الِانْعِقَادَ.
(وَمَنْ مَلَكَ مَمْلُوكَيْنِ صَغِيرَيْنِ أَوْ كَبِيرًا) أَحَدُهُمَا (وَصَغِيرًا) آخَرَ لِلَّذَيْنِ (أَحَدُهُمَا) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْآخَرِ) وَالْجُمْلَةُ صِفَةٌ لِمَمْلُوكَيْنِ (كُرِهَ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا) قَبْلَ الْبُلُوغِ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» «وَوَهَبَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - غُلَامَيْنِ أَخَوَيْنِ صَغِيرَيْنِ ثُمَّ قَالَ لَهُ مَا فَعَلْتَ بِالْغُلَامَيْنِ؟ فَقَالَ بِعْت أَحَدَهُمَا فَقَالَ أَدْرِكْ أَدْرِكْ وَيُرْوَى اُرْدُدْ اُرْدُدْ» وَلِأَنَّ الصَّغِيرَ يَسْتَأْنِسُ بِالصَّغِيرِ، وَبِالْكَبِيرِ الْكَبِيرُ يَتَعَاهَدُهُ فَكَانَ فِي بَيْعِ أَحَدِهِمَا قَطْعُ الِاسْتِئْنَاسِ وَالْمَنْعُ مِنْ التَّعَاهُدِ وَفِيهِ تَرْكُ الرَّحْمَةِ عَلَى الصِّغَارِ وَقَدْ أُوعِدَ عَلَيْهِ ثُمَّ الْمَنْعُ مَعْلُومٌ بِالْقَرَابَةِ الْمُحَرِّمَةِ لِلنِّكَاحِ حَتَّى لَا يَدْخُلَ فِيهِ مَحْرَمٌ غَيْرُ قَرِيبٍ وَلَا قَرِيبٌ غَيْرُ مَحْرَمٍ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الزَّوْجَانِ حَتَّى جَازَ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَوْرِدِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا فِي مِلْكِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ أَحَدُ الصَّغِيرَيْنِ لَهُ وَالْآخَرُ لِغَيْرِهِ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (بِدُونِ حَقٍّ مُسْتَحَقٍّ) أَيْ لَوْ كَانَ التَّفْرِيقُ بِحَقٍّ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ لَا بَأْسَ بِهِ كَدَفْعِ أَحَدِهِمَا بِالْجِنَايَةِ وَبَيْعِهِ بِالدَّيْنِ وَرَدِّهِ بِالْعَيْبِ لِأَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ غَيْرِهِ لَا الْإِضْرَارُ بِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (وَيَصِحُّ الْبَيْعُ) هُنَا أَيْضًا لِأَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ وَهُوَ مَا فِيهِ مِنْ إيحَاشِ الصَّغِيرِ فَلَا يُوجِبُ الْفَسَادَ لَكِنْ يَأْثَمُ الْبَائِعُ لِارْتِكَابِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute