للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ الْقَصْدُ بِتَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ فَلَا تَجُوزُ بِنِيَّةٍ مُتَأَخِّرَةٍ عَنْهَا؛ لِأَنَّ أَوَّلَ جُزْءٍ مِنْ الْقِيَامِ لَا يَخْلُو عَنْ النِّيَّةِ.

وَقَالَ الْكَرْخِيُّ تَصِحُّ النِّيَّةُ مَا دَامَ الثَّنَاءُ وَقِيلَ تَصِحُّ إذَا تَقَدَّمَتْ عَلَى الرُّكُوعِ وَقِيلَ إلَى الرُّكُوعِ وَقِيلَ إلَى الْقُعُودِ، وَلَا يَصِحُّ تَقْدِيمُ نِيَّةِ اقْتِدَائِهِ عَلَى تَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ وَيُفْرَضُ أَنْ تَكُونَ بُعَيْدَهَا، وَقِيلَ: يَنْوِي بَعْدَ قَوْلِ الْإِمَامِ اللَّهُ قَبْلَ قَوْلِهِ: أَكْبَرُ.

وَقَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ: إنَّهُ يَنْوِي حِينَ وَقَفَ الْإِمَامِ مَوْقِفَ الْإِمَامَةِ، وَهَذَا أَجْوَدُ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ وَجَازَ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ عَلَى التَّكْبِيرِ، وَلَوْ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ مَا لَمْ يُوجَدْ قَاطِعُ النِّيَّةِ مِنْ عَمَلٍ غَيْرِ لَائِقٍ بِصَلَاةٍ كَأَكْلٍ وَشُرْبٍ وَكَلَامٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ تُبْطِلُ الصَّلَاةَ فَتُبْطِلُ النِّيَّةَ بِخِلَافِ الْمَشْيِ وَالْوُضُوءِ فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُهَا.

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا إلَّا فِي الصَّوْمِ.

وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ الْأَحْوَطَ أَنْ يَنْوِيَ مُقَارِنًا لِلتَّكْبِيرِ وَمُخَالِطًا لَهُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَبِهِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ لَكِنْ عِنْدَنَا هَذَا الِاحْتِيَاطُ مُسْتَحَبٌّ، وَلَيْسَ بِشَرْطٍ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ شَرْطٌ، وَبِهَذَا التَّحْقِيقِ يَظْهَرُ فَسَادُ اعْتِرَاضِ صَاحِبِ الْفَرَائِدِ عَلَى صَاحِبِ الْإِصْلَاحِ؛ لِأَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْإِصْلَاحِ بِقَوْلِهِ: وَنُدِبَ أَنْ يَصِلَ إلَى آخِرِهِ إنْ قَرَنَتْ النِّيَّةُ لِلتَّكْبِيرِ فَهُوَ مَنْدُوبٌ، وَإِنْ لَمْ تَقْرِنْ بَلْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ فَهُوَ جَائِزٌ لَا مَا فَهِمَ هَذَا الرَّادُّ تَدَبَّرْ.

(وَضَمُّ التَّلَفُّظِ إلَى الْقَصْدِ أَفْضَلُ) لِمَا فِيهِ مِنْ اسْتِحْضَارِ الْقَلْبِ لِاجْتِمَاعِ الْعَزِيمَةِ بِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: النِّيَّةُ بِالْقَلْبِ فَرْضٌ، وَذِكْرُهَا بِاللِّسَانِ سُنَّةٌ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَفْضَلُ.

وَفِي الْقُنْيَةِ أَنَّهَا بِدْعَةٌ إلَّا إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُهُ إقَامَتُهَا فِي الْقَلْبِ إلَّا بِإِجْرَائِهَا عَلَى اللِّسَانِ فَحِينَئِذٍ تُبَاحُ، وَكَيْفِيَّةُ التَّلَفُّظِ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ أَدَاءَ صَلَاةِ ظُهْرِ الْيَوْمِ أَوْ فَرْضِ الْوَقْتِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَيَسِّرْهَا لِي وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي، وَعَلَى هَذَا سَائِرُ الْعِبَادَاتِ، وَالْإِمَامُ يَنْوِي مِثْلَ الْمُنْفَرِدِ إلَّا أَنَّهُ يَنْوِي لِلنِّسَاءِ الَّتِي خَلْفَهُ فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ لَهُنَّ إلَّا بِالنِّيَّةِ.

(وَيَكْفِي مُطْلَقُ النِّيَّةِ) بِأَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الصَّلَاةَ (لِلنَّفْلِ) بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ اسْمِ الصَّلَاةِ مُنْصَرِفٌ إلَى النَّفْلِ؛ لِأَنَّهُ الْأَدْنَى فَهُوَ مُتَيَقَّنٌ (وَالسُّنَّةِ) الْمُؤَكَّدَةِ.

(وَالتَّرَاوِيحِ فِي الصَّحِيحِ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّهَا نَوَافِلُ فِي الْأَصْلِ فَيَكْفِي مُطْلَقُ النِّيَّةِ لَكِنْ صَحَّحَ قَاضِي خَانْ عَدَمَ جَوَازِ أَدَاءِ السُّنَنِ بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ وَبِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ فَقَالَ: لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مَخْصُوصَةٌ فَتَجِبُ مُرَاعَاةُ الصِّفَةِ لِلْخُرُوجِ عَنْ الْعُهْدَةِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَنْوِيَ السُّنَّةَ أَوْ مُتَابَعَةَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَمَا فِي الْمَكْتُوبَةِ؛ وَلِهَذَا الْأَحْوَطُ التَّصْرِيحُ.

(وَلِلْفَرْضِ شُرِطَ تَعْيِينُهُ كَالْعَصْرِ مَثَلًا) لِاخْتِلَافِ الْفُرُوضِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّمْيِيزِ، وَلَوْ نَوَى، وَلَمْ يَقُلْ: ظُهْرَ الْوَقْتِ لَا يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ عَلَيْهِ ظُهْرٌ آخَرُ فَلَا يَتَعَيَّنُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ النِّيَّةِ يَنْصَرِفُ إلَى ظُهْرِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ أَصْلِيٌّ، وَالْفَائِتُ عَارِضٌ وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْأَصْلِيِّ دُونَ الْعَارِضِيِّ وَلَوْ نَوَى فَرْضَ الْوَقْتِ يَجُوزُ إلَّا فِي الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي كَوْنِهَا فَرْضَ الْوَقْتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>