وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِعَدَمِ الْقَبْضِ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ يَدًا بِيَدٍ» وَلِأَنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ فِي الْمَجْلِسِ يَتَعَاقَبُ الْقَبْضُ فَيُوجَدُ فِي الْقَبْضِ الْأَوَّلِ مَزِيَّةٌ فَتَتَحَقَّقُ شُبْهَةُ الرِّبَا وَلَنَا أَنَّهُ مَبِيعٌ مُتَعَيِّنٌ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ كَالثَّوْبِ وَهَذَا لِأَنَّ الْفَائِدَةَ الْمَطْلُوبَةَ إنَّمَا هُوَ التَّمَكُّنُ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ فَيَتَرَتَّبُ ذَلِكَ عَلَى التَّعَيُّنِ بِخِلَافِ الصَّرْفِ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِيهِ لِيَتَعَيَّنَ بِهِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «يَدًا بِيَدٍ» عَيْنًا بِعَيْنٍ لِمَا رَوَاهُ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ كَذَا وَتَعَاقُبُ الْقَبْضِ لَا يُعْتَبَرُ تَفَاوُتًا فِي مَالٍ عُرْفًا بِخِلَافِ النَّقْدِ وَالْأَجَلِ.
(وَمَا نُصَّ) عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا فِيهِ كَيْلًا فَهُوَ كَيْلِيٌّ أَبَدًا كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ أَوْ) إنْ نُصَّ (عَلَى تَحْرِيمِهِ) أَيْ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِيهِ (وَزْنًا فَهُوَ وَزْنِيٌّ أَبَدًا كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَوْ) وَصْلِيَّةً (تُعُورِفَ بِخِلَافِهِ) لِأَنَّ النَّصَّ قَاطِعٌ وَأَقْوَى مِنْ الْعُرْفِ وَالْأَقْوَى لَا يُتْرَكُ بِالْأَدْنَى (وَمَا لَا نَصَّ فِيهِ) أَيْ فِي كَوْنِهِ كَيْلِيًّا أَوْ وَزْنِيًّا (حُمِلَ عَلَى الْعُرْفِ كَغَيْرِ السِّتَّةِ الْمَذْكُورَةِ) مِنْ الْبُرِّ إلَى الْفِضَّةِ لِأَنَّ الشَّرْعَ اعْتَبَرَ عَادَةَ النَّاسِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى حَسَنٌ» .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قُلْنَا ذَلِكَ فِي نِصَابِ الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ لِأَنَّ الْأُمَّةَ اجْتَمَعَتْ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ فِي الْبِيَاعَاتِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْعُرْفُ عَلَى خِلَافِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ أَيْضًا لِأَنَّ النَّصَّ عَلَى ذَلِكَ بِمَكَانِ الْعُرْفِ وَقَدْ تَبَدَّلَ فَيَتَبَدَّلُ حُكْمُهُ.
وَقَالَ الْمَوْلَى سَعْدِيٌّ اسْتِقْرَاضُ الدَّرَاهِمِ عَدَدًا وَبَيْعُ الدَّقِيقِ وَزْنًا عَلَى مَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ فِي زَمَانِنَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ ثُمَّ فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ (فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْبُرِّ بِالْبُرِّ مُتَمَاثِلًا وَزْنًا) لِأَنَّ الْبُرَّ كَيْلِيٌّ شَرْعًا لَا وَزْنِيٌّ (وَلَا) يَجُوزُ بَيْعُ (الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ مُتَمَاثِلًا كَيْلًا) لِأَنَّ الذَّهَبَ وَزْنِيٌّ لَا كَيْلِيٌّ وَإِنْ تَعَارَفُوا ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ الْفَضْلِ عَلَى مَا هُوَ الْمِعْيَارُ فِيهِ.
(وَجَازَ بَيْعُ فَلْسٍ مُعَيَّنٍ بِفَلْسَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) بَيْعُ الْفَلْسِ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا يَحْتَمِلُ وُجُوهًا الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ كِلَاهُمَا فِي الْبَيْعِ مُعَيَّنًا الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مُعَيَّنًا وَالثَّمَنُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ الثَّالِثُ عَكْسُ الثَّانِي الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَالْكُلُّ فَاسِدٌ سِوَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَهُ أَنَّ الثَّمَنِيَّةَ تَثْبُتُ بِاصْطِلَاحِ الْكُلِّ فَلَا تَبْطُلُ بِاصْطِلَاحِهِمَا وَإِذَا بَقِيَتْ أَثْمَانًا لَا تَتَعَيَّنُ فَصَارَ كَبَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ. وَلَهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute