للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ يُسَمَّى تُفَّاحًا (لَا فِي غَيْرِهِ) أَيْ وَمَا لَا يُمْكِنُ ضَبْطُ صِفَتِهِ وَمَعْرِفَةُ قَدْرِهِ لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ كُلِّيَّةٌ تُبْتَنَى عَلَيْهَا كَثِيرُ مَسَائِلِ السَّلَمِ.

فَشَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي ذِكْرِ بَعْضِهَا لِتَعْرِفَ بَاقِيَهَا بِالتَّأَمُّلِ فِيهَا فَقَالَ مُفَرِّعًا بِمَا عَلَيْهَا (فَيَصِحُّ) السَّلَمُ كَمَا فِي الْفَرَائِدِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمُصَنِّفُ شَرَعَ أَنْ يُبَيِّنَ الْفَصْلَيْنِ بِالْفَاءِ فَالْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ تَفْصِيلِيَّةً، تَدَبَّرْ (فِي الْمَكِيلِ) كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ (وَالْمَوْزُونِ) كَالْعَسَلِ وَالزَّيْتِ (سِوَى النَّقْدَيْنِ) مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لَا لِأَنَّهُمَا مَوْزُونَةٌ وَلَكِنَّهُمَا غَيْرُ مُثَمَّنَيْنِ بَلْ خُلِقَا ثَمَنَيْنِ فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا.

(وَ) يَصِحُّ (فِي الْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ) وَهُوَ مَا لَا يَتَفَاوَتُ آحَادُهُ (كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ عَدَدًا وَكَيْلًا) لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مَضْبُوطٌ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ، وَمَا فِيهِ مِنْ التَّفَاوُتِ يُهْدَرُ عُرْفًا وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ عَدَدًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيهِ كَيْلًا؛ فَعِنْدَنَا يَجُوزُ كَيْلًا وَمَنَعَهُ زُفَرُ كَيْلًا وَعَنْهُ مَنْعُهُ عَدَدًا أَيْضًا لِلتَّفَاوُتِ وَإِنَّمَا جَازَ كَيْلًا عِنْدَنَا لِوُجُودِ الضَّبْطِ فِيهِ.

قَيَّدَ بِالْمُتَقَارِبِ - وَمِنْهُ الْكُمَّثْرَى وَالْمِشْمِشُ وَالتِّينُ - لِأَنَّ الْعَدَدِيَّ الْمُتَفَاوِتَ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ، وَمَا تَفَاوَتَتْ مَالِيَّتُهُ مُتَفَاوِتٌ، كَالْبِطِّيخِ وَالْقَرْعِ وَالرُّمَّانِ وَالسَّفَرْجَلِ وَغَيْرِهَا؛ فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا عَدَدًا لِلتَّفَاوُتِ إلَّا إذَا ذَكَرَ ضَابِطًا غَيْرَ مُجَرَّدِ الْعَدَدِ كَطُولٍ وَغِلَظٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ.

لَكِنْ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَذُكِرَ فِي الْمُخْتَلِفِ: يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْجَوْزِ وَالْبَيْضِ عَدَدًا وَكَيْلًا وَوَزْنًا.

وَقَالَ زُفَرُ يَجُوزُ كَيْلًا وَوَزْنًا، وَكَذَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ.

وَفِي فَتَاوَى الْأَفْطَسِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ السَّلَمَ يَجُوزُ فِي الْجَوْزِ كَيْلًا، وَفِي الْبَيْضِ وَزْنًا. انْتَهَى، فَعَلَى هَذَا يَظْهَرُ مُخَالَفَةُ مَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ مَنَعَهُ زُفَرُ كَيْلًا تَدَبَّرْ.

(وَكَذَا) فِي (الْفُلُوسِ) أَيْ يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهَا عَدَدًا لِأَنَّ الثَّمَنِيَّةَ فِيهَا لَيْسَتْ خِلْقِيَّةً، وَإِنَّمَا الْجَوَازُ فِيهَا بِالِاصْطِلَاحِ فَلِلْعَاقِدِينَ إبْطَالُهَا (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) لِأَنَّهَا أَثْمَانٌ.

وَفِي الْبَحْرِ: وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ الْكُلِّ الْجَوَازُ، وَإِذَا بَطَلَتْ ثَمَنِيَّتُهَا لَا تَخْرُجُ عَنْ الْعَدِّ إلَى الْوَزْنِ لِلْعُرْفِ، إلَّا أَنْ يُهْدِرَهُ أَهْلُ الْعُرْفِ كَمَا هُوَ فِي دِيَارِنَا فِي زَمَانِنَا، وَقَدْ كَانَتْ قَبْلَ هَذِهِ الْأَعْصَارِ عَدَدِيَّةً فِي دِيَارِنَا أَيْضًا. انْتَهَى، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ غَيْرَ الظَّاهِرِ فَلِهَذَا قَالَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ تَدَبَّرْ.

(وَفِي اللَّبِنِ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْبَاءِ: وَهُوَ الطُّوبُ الْأَحْمَزَ، وَشَرَطَ فِي الْخُلَاصَةِ ذِكْرَ الْمَكَانِ الَّذِي يُعْمَلُ فِيهِ اللَّبِنُ (وَالْآجُرِّ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ مَعَ الْمَدِّ اللَّبِنُ إذَا طُبِخَ (إذَا سُمِّيَ مِلْبَنٌ) بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَفَتْحِ الْبَاءِ قَالِبُهُمَا (مَعْلُومٌ) لِأَنَّ التَّفَاوُتَ حِينَئِذٍ يَكُونُ أَقَلَّ.

(وَ) يَصِحُّ السَّلَمُ (فِي الْمَذْرُوعِ كَالثَّوْبِ إنْ بُيِّنَ طُولُهُ وَعَرْضُهُ وَرُقْعَتُهُ) أَيْ غِلَظُهُ وَرِقَّتُهُ.

وَفِي الْمِنَحِ: وَصِفَتُهُ أَيْ مِنْ قُطْنٍ أَوْ كَتَّانٍ أَوْ مُرَكَّبٍ مِنْهُمَا - وَهُوَ الْمُلْحَمُ - أَوْ حَرِيرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَصَنْعَةٌ كَعَمَلِ الشَّامِ أَوْ الرُّومِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعْلُومًا بِذِكْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ.

قِيلَ هَذَا إذَا كَانَ الثَّوْبُ غَيْرَ الْحَرِيرِ إذْ لَوْ كَانَ حَرِيرًا لَا بُدَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>