للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْخِنْصِرِ وَالْإِبْهَامِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ (فِي كُلِّ قِيَامٍ سُنَّ فِيهِ ذِكْرٌ) ؛ لِأَنَّ الْوَضْعَ شَرْعٌ لِلْخُضُوعِ، وَهُوَ مَطْلُوبٌ فِي حَالَةِ الذِّكْرِ، قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: إنَّ كُلَّ قِيَامٍ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ فَالسُّنَّةُ فِيهِ الْإِرْسَالُ، وَكُلُّ قِيَامٍ فِيهِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ فَالسُّنَّةُ فِيهِ الْوَضْعُ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَالصَّدْرُ الْكَبِيرُ بُرْهَانُ الْأَئِمَّةِ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ، وَالْمُرَادُ مِنْ الْقِيَامِ مَا هُوَ الْأَعَمُّ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَ يَفْعَلُ كَذَلِكَ.

(وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) يُعْتَمَدُ (فِي) كُلِّ (قِيَامٍ شُرِعَ فِيهِ قِرَاءَةٌ) ؛ لِأَنَّ الْوَضْعَ إنَّمَا شُرِعَ مَخَافَةَ اجْتِمَاعِ الدَّمِ فِي رُءُوسِ الْأَصَابِعِ وَإِنَّمَا يُخَافُ حَالَةَ الْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ تَطْوِيلُهَا (فَيَضَعُ فِي الْقُنُوتِ، وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي كُلِّ قِيَامٍ سُنَّ فِيهِ ذِكْرٌ أَيْ يَضَعُ يَدَيْهِ فِي الْقُنُوتِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ فِيهِمَا ذِكْرًا مَسْنُونًا (خِلَافًا لَهُ) أَيْ لِمُحَمَّدٍ فَيُرْسِلُ فِيهِمَا عِنْدَهُ لِعَدَمِ الْقِرَاءَةِ (وَيُرْسِلُ فِي قَوْمَةِ الرُّكُوعِ وَبَيْنَ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ اتِّفَاقًا) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمَا ذِكْرٌ مَسْنُونٌ مُمْتَدٌّ وَقِرَاءَةٌ.

(ثُمَّ يَقْرَأُ سُبْحَانَكَ اللَّهُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ سَبَّحْتُك بِجَمِيعِ آلَائِك يَا اللَّهُ تَسْبِيحًا وَاشْتَغَلْت بِحَمْدِك فَإِنَّهُ رُوِيَ - سُبْحَانَك اللَّهُ بِحَمْدِك - وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ بِزِيَادَةِ الْوَاوِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِقِيَاسٍ وَتَبَارَكَ اسْمُك أَيْ دَامَ خَيْرُك وَتَعَالَى جَدُّك أَيْ تُجَاوِزُ عَظَمَتُك عَنْ دَرْكِ أَفْهَامِنَا وَلَمْ يُنْقَلْ فِي الْمَشَاهِيرِ: وَجَلَّ ثَنَاؤُك فَلَا يَأْتِي بِهِ فِي الْفَرَائِضِ وَلَا إلَهَ غَيْرُك بِفَتْحِهِمَا وَرَفْعِهِمَا وَفَتْحِ الْأَوَّلِ وَرَفْعِ الثَّانِي وَبِالْعَكْسِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَإِنَّمَا أَتَى بِثُمَّ لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ الْمَعْطُوفَيْنِ لَا لِلتَّرَاخِي وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَأْتِي بِهِ كُلُّ مُصَلٍّ إمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا أَوْ مُنْفَرِدًا إلَّا إذَا كَانَ مَسْبُوقًا وَإِمَامُهُ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي بِهِ وَصَحَّحَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ وَلَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ تَرَكَ الثَّنَاءَ وَلَوْ أَدْرَكَهُ فِي السُّجُودِ يُكَبِّرُ وَيَأْتِي بِالثَّنَاءِ ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَسْجُدُ.

(وَلَا يَضُمُّ وَجَّهْت وَجْهِي إلَى آخِرِهِ) أَيْ إلَى آخِرِ الذِّكْرِ وَهُوَ وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ الشُّرُوعِ وَلَا بَعْدَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّ عِنْدَهُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَيَبْدَأُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، وَأُخْرَى أَنَّ «الْبُدَاءَةَ بِالتَّسْبِيحِ أَوْلَى لِمَا رَوَى جَابِرٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا» .

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَأْتِي بِالتَّوْجِيهِ فَقَطْ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ كَبَّرَ ثُمَّ قَالَ وَجَّهْت وَجْهِي» إلَى آخِرِهِ وَلَهُمَا مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَالَ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ» إلَى آخِرِهِ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجُمْهُورِ التَّابِعِينَ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِمَا، وَرِوَايَةُ جَابِرٍ مَحْمُولٌ عَلَى التَّهَجُّدِ وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ ثُمَّ نُسِخَ وَعِنْدَ مَالِكٍ يَقُولُ إنِّي وَجَّهْت وَجْهِي إلَى آخِرِهِ قَبْلَ التَّكْبِيرِ وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَّا وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَقُولُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>