الشُّفْعَةُ لِجَمِيعِ أَهْلِ السِّكَّةِ، قِيلَ هَذَا إذَا كَانَتْ مِثْلَ نِصْفِ دَائِرَةٍ أَوْ أَقَلَّ، أَمَّا إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَا يَفْتَحُ أَهْلُ الْأُولَى بَابًا فِيهَا لِكَوْنِهَا سِكَّةً عَلَى حِدَةٍ.
(وَمَنْ ادَّعَى هِبَةً فِي وَقْتٍ) يَعْنِي ادَّعَى رَجُلٌ شَيْئًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ وَهَبَ لَهُ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ فِي وَقْتِ كَذَا (فَسُئِلَ بَيِّنَةً) أَيْ فَسَأَلَهُ الْقَاضِي بَيِّنَةً لِإِنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (فَقَالَ) الْمُدَّعِي (جَحَدَنِي) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (الْهِبَةَ فَاشْتَرَيْته مِنْهُ أَوْ لَمْ يَقُلْ) الْمُدَّعِي (ذَلِكَ) أَيْ جَحَدَنِي الْهِبَةَ (فَبَرْهَنَ عَلَى الشِّرَاءِ بَعْدَ وَقْتِ الْهِبَةِ يُقْبَلُ) بُرْهَانُهُ فِي الْفَصْلَيْنِ لِأَنَّ الْمُدَّعَى فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الشِّرَاءُ بَعْدَ الْهِبَةِ.
(وَلَوْ) بَرْهَنَ عَلَى الشِّرَاءِ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ وَقْتِ الْهِبَةِ (لَا يُقْبَلُ) بُرْهَانُهُ كَمَا لَوْ ادَّعَى أَوَّلًا أَنَّهَا - أَيْ الدَّارَ مَثَلًا - وَقْفٌ عَلَيْهِ، ثُمَّ ادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ أَوْ ادَّعَاهَا لِغَيْرِهِ، ثُمَّ ادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى الْمِلْكَ أَوَّلًا، ثُمَّ ادَّعَى الْوَقْفَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّوْفِيقَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ مُمْكِنٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ التَّنَاقُضُ لِجَوَازِ أَنْ يَقُولَ: وَهَبَ لِي مُنْذُ شَهْرٍ، ثُمَّ جَحَدَنِي الْهِبَةَ فَاشْتَرَيْتُهُ مِنْهُ مُنْذُ أُسْبُوعٍ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي لَا يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ فَيَتَحَقَّقُ التَّنَاقُضُ لِأَنَّ دَعْوَى الْهِبَةِ إقْرَارٌ بِأَنَّ الْمَوْهُوبَ مِلْكُ الْوَاهِبِ قَبْلَ الْهِبَةِ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى الشِّرَاءِ قَبْلَ وَقْتِ الْهِبَةِ، وَفِي التَّبْيِينِ وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ لَهُمَا تَارِيخًا أَوْ ذَكَرَ لِأَحَدِهِمَا يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنْ يُجْعَلَ الشِّرَاءُ مُتَأَخِّرًا.
وَفِي الْبَحْرِ أَنَّ قَوْلَهُ " جَحَدَنِي الْهِبَةَ " إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَوْفِيقِهِ.
(وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ زَيْدًا اشْتَرَى جَارِيَتَهُ فَأَنْكَرَ زَيْدٌ وَتَرَكَ هُوَ) أَيْ الْمُدَّعِي (خُصُومَتَهُ حَلَّ لَهُ) أَيْ لِلْمُدَّعِي (وَطْؤُهَا) أَيْ وَطْءُ الْجَارِيَةِ وَكَانَ الظَّاهِرُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِإِقْرَارِهِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ، وَجْهُ الْجَوَازِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمَّا جَحَدَ الشِّرَاءَ كَانَ جُحُودُهُ لِلْبَيْعِ فَسْخًا مِنْ جِهَتِهِ، إذْ الْفَسْخُ رَفْعُ الْعَقْدِ مِنْ الْأَصْلِ، وَالْجُحُودُ إنْكَارُ الْعَقْدِ مِنْ الْأَصْلِ، وَبِهَذِهِ الْمُشَابَهَةِ جُعِلَ الْجُحُودُ مَجَازًا عَنْ الْفَسْخِ، لِمَا فِي التَّنْوِيرِ: جُحُودُ مَا عَدَا النِّكَاحَ فَسْخٌ فَلَوْ جَحَدَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا، ثُمَّ ادَّعَاهُ وَبَرْهَنَ يُقْبَلُ بُرْهَانُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ.
(وَمَنْ أَقَرَّ بِقَبْضِ عَشَرَةِ) دَرَاهِمَ مِنْ رَجُلٍ (وَادَّعَى أَنَّهَا) أَيْ الْعَشَرَةَ (زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ صُدِّقَ) مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ تَقَعُ عَلَيْهِمَا، أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا بَيَّنَ ذَلِكَ مَوْصُولًا أَوْ مَفْصُولًا (لَا) يُصَدَّقُ (إنْ ادَّعَى أَنَّهَا سَتُّوقَةٌ) لِأَنَّ اسْمَ الدَّرَاهِمِ لَا تَقَعُ عَلَيْهَا.
وَقَالَ صَاحِبُ الْمِنَحِ وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهَا سَتُّوقَةٌ لَا يُصَدَّقُ إنْ كَانَ الْبَيَانُ مِنْهُ مَفْصُولًا وَصُدِّقَ إنْ كَانَ الْبَيَانُ مِنْهُ مَوْصُولًا (وَلَا) يُصَدَّقُ (إنْ أَقَرَّ بِقَبْضِ الْجِيَادِ أَوْ حَقِّهِ أَوْ الثَّمَنِ أَوْ بِالِاسْتِيفَاءِ) لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ عِبَارَةٌ عَنْ قَبْضِ الْحَقِّ بِوَصْفِ التَّمَامِ، ثُمَّ فِي قَوْلِهِ قَبَضْتُ دَرَاهِمَ جِيَادًا لَا يُصَدَّقُ فِي دَعْوَاهُ الزُّيُوفَ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ مَوْصُولًا أَوْ مَفْصُولًا، وَفِيمَا إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ قَبَضَ الثَّمَنَ أَوْ حَقَّهُ أَوْ اسْتَوْفَى، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا كَانَتْ زُيُوفًا يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ مَفْصُولًا لَا يُصَدَّقُ، وَإِنْ كَانَ مَوْصُولًا صُدِّقَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute