يَعْنِي تَعْدِيلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الشُّهُودَ لَا يَصِحُّ، وَمُرَادُهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى السُّؤَالَ عَنْ الشُّهُودِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِ فَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَرَى السُّؤَالَ عَنْ الشُّهُودِ، وَنَظِيرُهُ الْمُزَارَعَةُ فَإِنَّهُ لَا يَرَاهَا، وَمَعَ هَذَا فَرَّعَ عَلَيْهَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى، وَعَنْهُمَا أَنَّهُ تَجُوزُ تَزْكِيَتُهُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَكِنْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بُدَّ مِنْ ضَمِّ آخَرَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْدِيلُ الْوَاحِدِ عِنْدَهُ.
وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ فِي زَعْمِ الْمُدَّعِي وَشُهُودِهِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ظَالِمٌ كَاذِبٌ فِي الْجُحُودِ، وَتَزْكِيَةُ الْكَاذِبِ الْفَاسِقِ لَا تَصِحُّ وَأَطْلَقَ الْخَصْمَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ لَكِنْ قَيَّدَهُ صَاحِبُ الْمِنَحِ بِمَا إذَا كَانَ لَمْ يُرْجَعْ إلَيْهِ فِي التَّعْدِيلِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مِمَّنْ يُرْجَعْ إلَيْهِ فِي التَّعْدِيلِ صَحَّ قَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَيَّدَهُ كَمَا قَيَّدَ صَاحِبُ الْمِنَحِ لَكَانَ أَوْلَى (فَإِنْ قَالَ) الْخَصْمُ (هُوَ عَدْلٌ صَدْقٌ) أَيْ عَادِلٌ صَادِقٌ (ثَبَتَ الْحَقُّ) أَيْ حَقُّ الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ إقْرَارٌ مِنْهُ بِثُبُوتِ الْحَقِّ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ هُمْ عُدُولٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُمْ مَعَ كَوْنِهِمْ عُدُولًا يَجُوزُ مِنْهُمْ النِّسْيَانُ وَالْخَطَأُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ عَدْلًا أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ صَوَابًا كَمَا فِي الدُّرَرِ لَكِنْ فِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ أَنَّهُ يَكُونُ مُقِرًّا بِقَوْلِهِ صَدَقُوا فِيمَا شَهِدُوا بِهِ عَلَيَّ بِقَوْلِهِ هُمْ عُدُولٌ فِيمَا شَهِدُوا بِهِ عَلَيَّ.
(وَيَكْفِي الْوَاحِدُ لِتَزْكِيَتِهِ السِّرَّ، وَالتَّرْجَمَةِ، وَالرِّسَالَةِ إلَى الْمُزَكِّي) يَعْنِي يَصْلُحُ الْوَاحِدُ أَنْ يَكُونَ مُزَكِّيًا لِلشَّاهِدِ، وَمُتَرْجِمًا عَنْ الشَّاهِدِ، وَرَسُولًا مِنْ الْقَاضِي إلَى الْمُزَكِّي عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ لِأَنَّ التَّزْكِيَةَ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا إلَّا الْعَدَالَةُ حَتَّى تَجُوزَ تَزْكِيَةُ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْأَعْمَى وَالْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ التَّائِبِ لِأَنَّ خَبَرَهُمْ مَقْبُولٌ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ (وَالِاثْنَانِ أَحْوَطُ) لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ طُمَأْنِينَةٍ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بُدَّ مِنْ الِاثْنَيْنِ) وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، لِأَنَّ التَّزْكِيَةَ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْقَاضِي تُبْتَنَى عَلَى ظُهُورِ الْعَدَالَةِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ كَمَا يُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ، وَمَحَلُّ الِاخْتِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَرْضَ الْخَصْمُ بِتَزْكِيَةِ الْوَاحِدِ فَإِنْ رَضِيَ فَجَازَ إجْمَاعًا هَذَا فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ أَمَّا فِي تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ يُشْتَرَطُ جَمِيعُ مَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالْبَصَرِ وَغَيْرِهِمَا سِوَى لَفْظِ الشَّهَادَةِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ مَعْنَى الشَّهَادَةِ فِيهَا أَظْهَرُ وَلِذَا يَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَاضِي.
وَعَنْ هَذَا قَالَ (وَتُشْتَرَطُ الْحُرِّيَّةُ فِي تَزْكِيَةِ الْعَلَانِيَةِ دُونَ السِّرِّ) وَكَذَا يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ فِيهَا عَلَى مَا قَالَهُ الْخَصَّافُ وَيُشْتَرَطُ فِي تَزْكِيَةِ شُهُودِ الزِّنَاءِ أَرْبَعَةُ ذُكُورٍ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute