للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فأحببت أن تكون براءتي عندك، ولا أبالي بغيرك، فاستنكهني»، فاستنكهه ابن غانم فوجده بريئا مما قال؛ فشكر له ذلك.

زياد بن يونس السدري، [قال] (٩٥) كان (٩٦) لابن غانم كاتب، وكان من عادته أن يتقدم إلى مقعده في الجامع فيجلس حتى يأتي ابن غانم، وكان من عادة القاضي أن يبعث بديوانه مختوما مع وصيف له، فيبقى بحاله إلى أن يأتي ابن غانم فيركع ركعات ثم يجلس، فإذا رأى طابعه (٩٧) بحاله فكّه، قال: فتقدم الكاتب يوما كما كان يفعل، فبينما هو جالس إذ أتاه كتاب ابنه من باديته، فجاء وصيف ابن غانم بالديوان على عادته فناوله الكتاب، فأخذه منه، ثم فك كتاب نفسه ليقرأه، فوافق ذلك دخول القاضي، فأبصر الكتاب في يده، فبادر الكاتب بالكتاب فأدخله في كمه، فأتى ابن غانم وما يبصر طريقا من شغل قلبه، فركع ركعتين خفيفتين، وعلى وجهه الكآبة والغضب، ثم سكت وجلس، فناوله الكاتب القمطر كما تقدمت عادته ليرى ابن غانم طابعه ويفكه؛ فصاح عليه ابن غانم: «كف! » فكف، ثم طأطأ ابن غانم ثم تنهد، ثم رفع رأسه وهو يقول: «الله أحق أن يؤثر، ليس في الحق من حشمة. ما هذا الكتاب الذي في كمك؟ » فاستحيى الكاتب واحمر لونه، ودهش ثم قال: «أصلحك الله، كتاب أتاني من البادية أخبروني فيه أن الزريعة قد فرغت، فابعث إلينا بالزريعة» فقال له ابن غانم: «لا بد من إخراجه» فأخرجه له، فقرأه ابن غانم فأصابه كما قال، فسرى عن وجه ابن غانم ما كان ظهر عليه من الكآبة، ثم أمره بفك الطابع، ففكه وأخذ في النظر بين الناس. وهذا غاية في التوقي والاحتياط‍.

أبو محمد بن أبي زيد، رضي الله تعالى عنه، عن عبد الله بن سعيد بن الحداد، عن أبيه، قال (٩٨): حدثت عن القاضي ابن غانم أن اليوم الذي كان يجلس


(٩٥) زيادة يقتضيها السياق.
(٩٦) انفرد الرياض بهذا الخبر.
(٩٧) الطابع: الخاتم. والطبع والختم: واحد. والطبع أيضا: أيسر من الإقفال والاقفال أشد من ذلك كله. (اللّسان: طبع). وربما كان هذا المعنى الأخير هو المقصود هنا. وقارن بما جاء في ملحق القواميس ٢٣: ٢.
(٩٨) الخبر في تاريخ إفريقية ص ٢٣١ والمدارك ٦٩: ٣ والمعالم ٢٩٥: ١.