للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تعملها الأيدي»، فقال له أبو الحسن: «ومن يقول هذا، وأن هذه لم تعملها الأيدي، والله تعالى يقول: (وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ) (٧٠) إلى قوله تعالى: (وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ) (٧٠) فما (٧١) كانوا ممن يحكون (٧٢) هذا اللعب؟ ».

وقال سعيد بن الحداد: قال لي واصل يوما: «يا سعيد، من أحب أن يعرف لم يصدق في عبادته، وإنما كره المتقون أن يعرفوا خوفا منهم أن يكرموا لعلمهم، فرغبوا إلى الله تعالى أن يخفي ذكرهم في الدنيا عن جميع خلقه. يا سعيد (٧٣)، من استأنس بالله لم يستوحش وإن كان في رءوس الجبال، فما أوحش من يكن الله أنيسه (٧٤)».

قال أبو بكر عتيق بن خلف: كان واصل كثيرا ما يقول: «ثلاثة من أعلام المحبة: حب الليل للتهجد والخلوة، وكراهية الصبح لرؤية الناس والغفلة، والمبادرة بالصالحات مخافة الفترة».

وكان يقول: «إن طريق الآخرة قد خلا لسالكيه، فلا يسلكه إلا القليل؛ وازدحم الناس على طريق الدنيا حتى تضاغطوا فيه واندفعوا ولم يسمح أحد لصاحبه. والناس في طريق الدنيا ثلاثة أصناف: صنفان معتلنان، وصنف مستتر.

فالصنفان المعتلتان الملوك والتجار: طلبوا الدنيا غير مرائين، استوت أسرارهم وعلانيتهم؛ والصنف الثالث المستترون: أظهروا قصد الآخرة وضمائرهم مطوية على الدنيا، ورأوا أن طلب الدنيا بالدين أعظم ربحا فذهبوا (٧٥) أن يجمعوا بين الحالتين. أن يبقى لهم إجلال الديانة، ويبلغوا إلى شهواتهم الباطنة. ولم يأخذ أحد من الدنيا منزلة إلا ترك مثلها من الآخرة. فلما قصدوا الدنيا من الجهتين سقطت عنهم الآخرة من الجهتين، لأن طلب الدنيا بالدنيا مباح، وطلب الدنيا بالدين محرم».

وكانت لواصل أخت، فكان لاشتغاله بالعبادة والتبتل لا يتفرغ لزيارتها،


(٧٠) سورة يس. آية ٣٣.
(٧١) في الأصل: افما.
(٧٢) في الأصل: يحكوا. وأصلحها ناشر الطبعة السابقة: يحلون.
(٧٣) في الأصل: يا سعدون. وسياق الكلام يقضي هذا التعديل.
(٧٤) كذا ورد في الأصل. ولعل الصواب: «فما أوحش من [لم] يكن الله أنيسه.
(٧٥) كذا في الأصل.