للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فلما تبين اليهودي الحق بالبرهان وأراد الله عزّ وجلّ هدايته، قال عند ذلك: «أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله! » فأسلم وحسن إسلامه، فكبّر الناس عند ذلك، وعلت أصواتهم بالتكبير وقالوا: «أسلم اليهودي على يدي الفقيه المغربي! »؛ فقام محمد وهو يمسح العرق عن جبينه، ثم رد وجهه إلى صاحبه وقال:

«لا جزاك الله خيرا عنّي» ولامه أشد اللوم، وقال له: «كاد أن تجري على يديك فتنة عظيمة. كيف تأتي إلى رجل يهودي تناظره وأنت ضعيف المناظرة والجدال؟ فإذا رأى (٥٨) من أراد الله عزّ وجلّ فتنته هذا الذي كان يهوديا قد غلبك واستظهر عليك بباطله أدخلت عليه الفتنة وداخله الشك في دينه. فلا تكن لك عودة (٥٩) لمثل هذا وتب إلى الله عزّ وجلّ من ذلك. ولولا أني خفت الفتنة على الناس أن يداخلهم شك في دينهم ما ناظرته».فرضي الله تعالى عنه.

وكان عنده من العفو والصفح عمن قصده [بأذى] (٦٠) أمر كبير، وسياسة حسنة، ومعرفة كيف يلقى الحوادث وكيف يصرف الأمور:

حدث الشيخ أبو الحسين علي بن الكانشي (٦١) رحمه الله تعالى فقال: سمعت عيسى بن مسكين يقول: «كان (٦٢) العراقيون قد استعملوا رجلا يسب محمد بن سحنون، وكانوا يصلونه على ذلك. فكان ذلك الرجل إذا لقي محمدا مخليا سبه علانية، وإذا لقيه في أصحابه سبه سرا في أذنه، وفي كل ذلك لا يرد عليه (٦٣) محمد شيئا، صبرا منه على الأذى رجاء لثواب الله عزّ وجلّ. فأتاه يوما فوجده مع أصحابه، فسبه في أذنه، فلما فرغ من سبه خاف [محمد] (٦٤) من أصحابه أن يبطشوا به، فقال له: «نعم وكرامة! إذا أنا تفرغت تعود إليّ تقضى حاجتك إن شاء الله»


(٥٨) في الأصل: رآني.
(٥٩) في الأصل: إعادة.
(٦٠) زيادة من الناشر السابق.
(٦١) أبو الحسين علي بن محمد الكانشي أو ابن الكانشي من شيوخ افريقية المشهورين بالتعبد وملازمة الرباط‍.عرّفنا به في حواشي الرياض الثاني.
(٦٢) الخبر في المدارك ٢١٦: ٤ - ٢١٧.
(٦٣) عبارة الأصل: كل ذلك وفي كل لا يرد عليه. وقد حاولنا تقويم العبارة.
(٦٤) زيادة من الناشر السابق.