للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأوهم الحاضرين أنه إنما سأله في حاجة. فبلغ ذلك العراقيين وقيل لهم: «أظننتم أن فلانا يسب محمد بن سحنون، وهو إنما حادثه في أذنه وسأله حاجة؟ » فاتفقوا على قطع صلته، فضاع الرجل وضاع أهله وعياله ووصل إليهم الضرر، فشكا ما نزل به إلى بعض الصالحين فقال: «إن فعلت ما آمرك به حسنت عاقبتك وعاقبة أهلك في الدنيا والآخرة» قال: «وما هو؟ » فقال: «عليك بصاحبك الذي كنت تسبه فأطلعه على أمرك»، فقبل نصيحته ومضى إلى [ابن] (٦٤) سحنون فوجده في مجلسه والناس حوله، فأصغى إليه بأذنه على العادة فقال له: «أصلحك الله ما جئت لهذا، وإنما جئت تائبا منيبا مما كان مني إليك»، فقال له: «اجلس» فجلس. فلما انقضى المجلس أخذ بيده ومضى إلى داره ودفع إليه صرة فيها عشرون دينارا عينا، وقال له:

«اتسع بهذه إلى حين (٦٥) يلطف الله عزّ وجلّ لنا»، ثم كتب محمد بن سحنون ثلاثين كتابا إلى ثلاثين رجلا مياسير من أصحابه بالساحل، يسأل كل واحد منهم في شراء جارية وتوجيهها (٦٦) إليه، فوصل إليه ثلاثون جارية في مدة يسيرة، فأمر ببيع خمس منهن وكسا بثمنهن الخمس والعشرين الباقيات وحلاّهن وأجلسهن صفا واحدا، ثم أحضر الرجل العراقي، فلما دخل أقبل عليه وقال له: «ما أبطأ بك عنا، أصلحك [الله] (٦٤)؟ » فقال: «استحياء منك لما سلف من قبح فعلي وسوء لفظي وعظيم إحسانك إليّ».ثم دفع إليه الجواري، فخرج من دار محمد بخمس وعشرين جارية. [وهذا الفعل من محمد] (٦٧) امتثال لقول الله عزّ وجلّ: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (٦٨)، ثم قال عزّ وجلّ:

(وَما يُلَقّاها إِلَاّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقّاها إِلاّ ذُو حَظٍّ‍ عَظِيمٍ) (٦٩). وله في مثل ذلك مقامات عجيبة، رحمه الله تعالى.

وكانت له سياسة حسنة، ومعرفة كيف يلقى الحوادث وكيف يصرفها (٧٠)، ولقد


(٦٤) زيادة من الناشر السابق.
(٦٥) في الأصل: الى حيث.
(٦٦) في الأصل: ويوجهها.
(٦٧) هذا تعليق للمؤلف على الخبر. ويبدو ان الناسخ اسقط‍ عبارة الافتتاح: فاجتهدنا في اتمامها.
(٦٨) سورة فصّلت الآية ٣٤.وقد خلط‍ المؤلف بينها وبين الآية ٩٦ من سورة المؤمنون فجاءت هكذا: «ادفع بالتي هي أحسن السيئة فاذا الذي ... ».
(٦٩) سورة فصّلت الآية ٣٥.
(٧٠) جاءت العبارة بنحو هذا عند تقديم الخبر السابق.