ومثاله: ما يقوم به بعض الذين يسافرون إلى الخارج لقضاء الشهوات والملذات، ثم يخبر أحدهم بجريمته التي فعل من شرب خمر أو فاحشة؛ أو غير ذلك من المعاصي، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:«كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَاّ الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللهُ، فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ»(١).
وهؤلاء لهم نصيب من قول الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}[النور: ١٩].
وهنا أمر ينبغي التنبه له، وهو أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس من الحياء، قال تعالى:{وَاللهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ}[الأحزاب: ٥٣].
قال الإِمام النووي: قد يشكل على بعض الناس من حيث إن صاحب الحياء قد يستحي أن يواجه بالحق من يُجله، فيترك أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وقد يحمله الحياء على الإِخلال ببعض الحقوق، والجواب عن هذا ما أجاب به جماعة من الأئمة منهم: أبو عمرو بن الصلاح، أن هذا المانع ليس من الحياء؛ بل هو عجز وخور ومهانة، فالحياء الحقيقي خلق
(١) صحيح البخاري برقم (٦٠٦٩)، وصحيح مسلم برقم (٢٩٩٠).