الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
فقد وصف ربنا عز وجل حال الدنيا وأهلها فيها، وكشف حقيقتها، وبين قصر مدتها، وانقضاء لذتها، فقال تعالى:{اعْلَمُوا أَنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَاّ مَتَاعُ الغُرُورِ}[الحديد: ٢٠].
فبين لنا العليم الحكيم في هذه الآية حال الدنيا التي افتتن الناس بها، وبين أنها لعب لا ثمرة فيه سوى التعب، ولهو يشغل صاحبه ويلهيه عما ينفعه في آخرته، وزينة تخدع المفتون بها، وتفاخر بالأنساب والعظام البالية، ومباهاة بكثرة الأموال والأولاد، وعظم الجاه، وأشار سبحانه إلى أنها مع ذلك سريعة الزوال، كمثل غيث أعجب الزراع نباته الناشئ منه، ثم يهيج ويتحرك وينمو إلى أقصى ما قدره الله له، فسرعان ما تراه مصفرًا متغيرًا ذابلاً بعد أن كان أخضر نضرًا، ثم يعود إلى اليبس هشيمًا متكسرًا، ففيه تشبيه جميع ما في الدنيا من السنين الكثيرة بمدة نبات غيث واحد يفنى ويضمحل ويتلاشى في أقل من سنة، إشارة إلى سرعة زوالها وقرب فنائها.