للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الكلمة الخمسون: سوء الخاتمة]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وأَشهد أَن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له وأَشهد أن محمدًا عبده ورسوله وبعد:

روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ - فِيْمَا يَرَى النَّاسُ - عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَيَعْمَلْ فِيْمَا يَرَى الْنَّاسُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِخَوَاتِيْمِهَا» (١).

قال ابن بطال: وفي تغييب خاتمة العمل عن العبد حكمة بالغة، وتدبير لطيف؛ لأنه لو علم وكان ناجيًا أعجب وكسل، وإن كان هالكًا ازداد عتوًّا؛ فحجب عنه ذلك ليكون بين الخوف والرجاء (٢).

لأَجْلِ ذَلِكَ كَانَ خَوْفُ الصَّالِحِيْنَ مِنْ سُوَءِ الْخَاتِمَةِ شَدِيْدًا، يَقُوْلُ أَحَدُهُمْ: خَوْفُ الصَّالِحِيْنَ مِنْ سُوَءٍ الْخَاتِمَةِ عِنْدَ كُلِّ خَطرَةٍ وَحَرَكَةٍ، وَيَقُوْلُ أَبُو الدَّرْدَاءِ: مَا أَحَدٌ أَمِنَ عَلَى إِيْمَانِهِ أَلَاّ يُسْلَبَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ إِلَاّ سُلِبَهُ (٣)، وَلَمَّا حَضَرَتِ الْوَفَاةُ سُفْيَانَ الْثَّوْرِيَّ رحمه الله جَعَلَ يَبْكِي، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ أَمِنْ كَثْرَةِ الذُّنُوبِ؟ فَقَالَ: لَا وَلَكِنْ أَخَافُ أَنْ أُسْلَبَ


(١) صحيح البخاري برقم (٦٤٩٣)، وصحيح مسلم برقم (٢٦٥١) واللفظ للبخاري.
(٢) فتح الباري (١١/ ٣٣٠).
(٣) مختصر منهاج القاصدين (ص: ٣٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>