للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: آخَى النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً، فَقَالَ لَهَا: مَا شَانُكِ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا، فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَقَالَ: كُلْ، قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ، قَالَ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَاكُلَ، قَالَ: فَأَكَلَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ قَالَ: نَمْ، فَنَامَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ، فَقَالَ: نَمْ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، قَالَ سَلْمَانُ: قُمِ الْآنَ، فَصَلَّيَا، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: «صَدَقَ سَلْمَانُ» (١).

وإن للعالم الرباني من التأثير والنفع لطلابه ومريديه أثراً بالغاً في تربية النفوس، وحثها على الخير، وإن مجلساً واحداً من هذه المجالس يبقى أَثَرُهُ وَنَفْعُهُ سِنِينَ، وقد ذكر ابن القيم حاله حينما أُدخل السجن مع شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله، فقال: ومع ما كان فيه من ضيق السجن إلا أنه كان من أشرح الناس صدراً وأطيبهم عيشاً، وأنعمهم قلباً، تلوح نضرة النعيم على وجهه، وكنا إذا ضاقت بنا الأرض، واشتد بنا الكرب أتيناه فما هو إلا أن نسمع كلامه ونراه، حتى ينقلب ذلك قوة وثباتاً وطمأنينة، فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه، وفتح لهم أبوابها في دار العمل، فآتاهم من طيبها، وريحها ما استفرغ قواهم بطلبها والمسابقة إليها (٢). اهـ.


(١) برقم ١٩٦٨.
(٢) الوابل الصيب من الكلم الطيب ص: ٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>