للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ} العدوة هي: طرف الوادي، والركب المراد به عير أبي سفيان، وهذا التصوير البليغ له من الفوائد:

أ - بيان الحال لمن بعد، ولم يستطع الوقوف على موقع المعركة، فهذا الوصف العجيب يجعله كأنه يرى ويُشاهد.

ب - قوله تعالى: {الدُّنْيَا} أي الأقرب إلى المدينة، و {الْقُصْوَى} أي الأبعد بالنسبة للمدينة، وبالتالي فهي الأقرب إلى مكة، والمعنى أن كل فريق يستطيع العودة إلى بلده، ليس بينه وبينها حائل يمنعه، ومع ذلك نفذت مشيئة الله بالتقاء الفريقين: {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُون}.

الفائدة الثانية: قوله: {وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ}، قال الرازي: «لا شك أن عسكر الرسول صلى اللهُ عليه وسلم في أول الأمر كانوا في غاية الخوف، والضعف؛ بسبب القلة، وعدم الأهبة، ونزلوا بعيدين عن الماء، وكانت الأرض التي نزلوا فيها أرضاً رملية تغوص فيها أرجلهم، وأما الكفار فكانوا في غاية القوة؛ بسبب الكثرة في العدد؛ وبسبب حصول الآلات، والأدوات؛ لأنهم كانوا قريبين من الماء؛ ولأن الأرض التي نزلوا فيها كانت صالحة للمشي، ولأن العير كانت خلف ظهورهم، وكانوا يتوقعون مجيء المدد من العير إليهم ساعة فساعة. ثم إنه تعالى قلب القصة، وعكس القضية، وجعل الغلبة للمسلمين، والدمار على الكافرين، فصار ذلك من أعظم المعجزات، وأقوى البيانات على صدق محمد صلى اللهُ عليه وسلم فيما أخبر عن ربه من وعد النصر والفتح والظفر.

<<  <  ج: ص:  >  >>