وجه الله تعالى وطلب مرضاته، ثم نهاه تعالى عن مصاحبة أهل الدنيا، فقال:{وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا}[الكهف: ٢٨] أي: لا تتطلع إلى مصاحبة غيرهم من أهل الشرف والغنى، لما يحصل بذلك من اشتغال القلب بزينة الدنيا عن أمر الآخرة.
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله:«فإنَّ ذلك يوجب تعلق القلب بالدنيا، فتصير الأفكار والهواجس فيها، وتزول من القلب الرغبة في الآخرة، فإن زينة الدُّنيا تروق للناظر، وتسحر القلب، فيغفل عن ذكر الله، ويقبل على اللذات والشهوات، فيضيع وقته وينفرط أمره، فيخسر الخسارة الأبدية والندامة السرمدية». اهـ (١).
ثم نهاه نهيًا آخر، فقال:{وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا}، فنهاه عن طاعة الغافلين عن ذكر الله المتبعين أهواءهم، الذين أَضاعوا دينهم، فطاعة من هذه صفته هي الخسارة الحقيقية في الدنيا والآخرة، وفي هذه الآية الكريمة فوائد كثيرة:
الأولى: الحثُّ على الصبر. والمراد بالصبر هو الصبر على طاعة الله الذي هو أَعلى أنواع الصبر، وقد ذكر الله الصبر في أكثر من تسعين موضعًا من كتابه لأهميته ومكانته العظيمة، بل إنه في الآية الواحدة يتكرر الأمر بالصبر كما في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[آل عمران: ٢٠٠].
والثانية: استحباب ذكر الله والدعاء طرفي النهار.
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله: «لأن الله مدحهم بفعله، وكل فعل مدح الله فاعله دل ذلك على أن الله يحبه، وإذا كان يحبه فإنه يأمر به
(١) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص: ٤٢٥).