للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خالدون، فما أشد الفرق بين الدارين» (١). اهـ.

وفي هذه الآيات الكريمات فوائد كثيرة منها:

- أن ما يعطيه الله الكفار من نعم الدنيا إنما ذلك لهوان الدنيا عنده، وحقارتها، وابتلاء لهم وفتنة، كما قال تعالى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَاليَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ} [الأحقاف: ٢٠]، روى مسلم في صحيحه من حديث أنس - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الآخِرَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا لِلهِ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الآخِرَةِ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا» (٢).

ولهذا قال عمر - رضي الله عنه - عندما صعد إلى مشربة النبي - صلى الله عليه وسلم -، لما آلى - صلى الله عليه وسلم - من نسائه، فرآه على رمال حصير قد أثر بجنبه، فابتدرت عيناه بالبكاء وقال: يا رسول الله: هذا كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت صفوة الله من خلقه؟ ! وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متكئًا فجلس. وقال: «أَوَ فِي شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ ! » ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: «أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا» وفي رواية: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الآخِرَةُ؟ ! » (٣).

- ومنها: أن كثرة النعم والخيرات التي يعطيها الله لعبده ليست دليلاً على محبته.

قال تعالى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي


(١) تفسير ابن سعدي (ص: ٧٦٥).
(٢) صحيح مسلم برقم (٢٨٠٨).
(٣) صحيح البخاري برقم (٤٩١٣)، وصحيح مسلم برقم (١٤٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>