نعمة من الله سبحانه على قريش في هاتين الرحلتين؛ لأنه يحصل منهما فوائد كثيرة ومكاسب تجارية، إضافة إلى أنهم يرجعون إلى بلدهم مكة آمنين في أسفارهم لعظمتهم عند الناس لكونهم سكان حرم الله، فمن عرفهم احترمهم، بل من سار معهم أمن بهم، هذا حالهم في أسفارهم ورحلتهم في شتائهم، وصيفهم، وأما في حال إقامتهم، فكما قَالَ تَعَالَى:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ}[العنكبوت: ٦٧].
قَولُهُ تَعَالَى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْت (٣)} أرشدهم إلى شكر هذه النعم بعبادة رب البيت والمراد الكعبة، وهنا أضاف ربوبيته إليه، فقال:{رَبَّ هَذَا الْبَيْت} وإضافة الربوبية إليه على سبيل التشريف والتعظيم (١).
أي: فليوحِّدُوه بالعبادة كما جعل لهم حرمًا آمنًا وبيتًا محرمًا كما قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ}[النمل: ٩١]. فلا يعبدوا صنمًا ولا ندًا ولا وثنًا، ومن استجاب لهذا الأمر جمع الله له بين أمن الدنيا وأمن الآخرة، ومن عصاه سلبهما منه، كما قَالَ تَعَالَى: {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَاتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُون (١١٢)} [النحل: ١١٢].
قَولُهُ تَعَالَى:{الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْف}: أي
(١) «تفسير الشيخ ابن عثيمين» (ص: ٣٢٦)، و «تفسير ابن كثير» (١٤/ ٤٦٦).