للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعاذ الله أن تكون الآية اقتضت تقريرًا لهم، أو إقرارًا على دينهم أبدًا، فلم يزل رسول الله صلى اللهُ عليه وسلم من أول الأمر وأشده عليه وعلى أصحابه أشد في الإنكار عليهم وعيب دينهم وتقبيحه والنهي عنه، والتهديد والوعيد لهم كل وقت، وفي كل ناد، وقد سألوه أن يكف عن ذكر آلهتهم وعيب دينهم ويتركونه وشأنه، فأبى إلا مضيًا على الإنكار عليهم وعيب دينهم، فكيف يقال: إن الآية اقتضت تقريرًا لهم؟ معاذ الله من هذا الزعم الباطل، إنما الآية اقتضت براءته المحضة كما تقدم، وأن ما أنتم عليه من الدين لا نوافقكم عليه أبدًا فإنه دين باطل، فهو مختص بكم لا نشارككم فيه ولا أنتم تشاركوننا في ديننا الحق وهذا غاية البراءة والتنصل من موافقتهم في دينهم، فأين الإقرار؟ حتى يَدَّعُوا النسخ أو التخصيص، أفنرى إذا جوهدوا بالسيف كما جوهدوا بالحجة لا يصح أن يقال: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين}، بل هذه آية قائمة محكمة ثابتة بين المؤمنين والكافرين إلى أن يطهر الله منهم عباده وبلاده، وكذلك حكم هذه البراءة بين اتباع رسول الله صلى اللهُ عليه وسلم أهل سننه وبين أهل البدع المخالفين لما جاء به، الداعين إلى غير سنته إذا قال لهم خلفاء الرسول وورثته: (لكم دينكم ولنا ديننا) لا يقتضي هذا إقرارهم على بدعتهم بل يقولون لهم هذا براءة منهم ومن بدعتهم، وهم مع هذا متنصبون للرد عليهم ولجهادهم بحسب الإمكان» (١).


(١) «بدائع الفوائد» (٥/ ٣٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>