للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وضرب بالسياط حتى أُغمي عليه، وسال الدم من جسده، وكان يقول: قد جعلت أبا إسحاق - يعني المعتصم - في حل، وعفا عنه، وسجن الإمام مالك، وضرب بالسياط حتى انخلعت يده من كتفه، فعفا عمن ضربه. والمواقف في العفو كثيرة عند التتبع.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فَلَا أُحِبُّ أَنْ يُنْتَصَرَ مِنْ أَحَدٍ بِسَبَبِ كَذِبِهِ عَلَيَّ، أَوْ ظُلْمِهِ، وَعُدْوَانِهِ، فَإِنِّي قَدْ أَحْلَلْتُ كُلَّ مُسْلِمٍ، وَأَنَا أُحِبُّ الْخَيْرَ لِكُلِّ الْمُسْلِمِينَ، وَأُرِيدُ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنَ الْخَيْرِ مَا أُحِبُّهُ لِنَفْسِي. وَالَّذِينَ كَذَبُوا وَظَلَمُوا فَهُمْ فِي حِلٍّ مِنْ جِهَتِي (١).

ومما ينبغي التنبيه عليه أن العفو مشروط بالإصلاح، قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: ٤٠]. قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله: «يجزيه أجرًا عظيمًا، وثوابًا كبيرًا، وشرط الله في العفو الإصلاح فيه، ليدل ذلك على أنه إذا كان الجاني لا يليق العفو عنه، وكانت المصلحة الشرعية تقتضي عقوبته فإنه في هذه الحال لا يكون مأمورًا به، وفي جعل أجر العافي على الله ما يهيج على العفو، وأن يعامل العبد الخلق بما يحب أن يعامله الله به، كما يحب أن يعفو الله عنه فليعف عنهم، وكما يحب أن يسامحه الله، فليسامحهم، فإن الجزاء من جنس العمل» (٢). اهـ

ومن وصل إلى هذه الحالة فليحمد الله على هذه النعمة الكبرى، وعلى راحة الضمير، وعلى كثرة ما يجني من الخير.


(١) «الفتاوى» (٢٨/ ٥٥).
(٢) «تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان» (ص: ٧٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>