للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي مسألة أُخرى أخبر النبي صلى اللهُ عليه وسلم: أنه لما حرمت عليهم الشحوم أذابوها وباعوها وأكلوا ثمنها، فروى البخاري ومسلم في صحيحيهما مِن حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ رضي اللهُ عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: «قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ، إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ» (١). كل ذلك مخادعة لله، قَالَ تَعَالَى: {وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَاّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُون} [البقرة: ٩]. قال ابن عباس رضي اللهُ عنهما: من يخادع الله يخدعه.

قال ابن القيِّم رحمه الله: «ولا ريب أن من تدبر القرآن، والسنة، ومقاصد الشارع جزم بتحريم الحيل وبطلانها، فإن القرآن دل على أن المقاصد والنيات معتبرة في التصرف، والعادات، كما هي معتبرة في القربات، والعبادات، فيجعل الفعل حلالًا أو حرامًا، وصحيحًا أو فاسدًا، وصحيحًا من وجه وفاسدًا من وجه، كما أن القصد والنية في العبادات تجعلها كذلك، وشواهد هذه القاعدة كثيرة جدًا في الكتاب والسنة» (٢).

كما أخبر عزَّ وجلَّ أنه نهاهم عن خصلتين من الضلال طالما فعلوهما وهما: كتم الحق عمن يجهله، ولبس الحق بالباطل على من يعرفه، قَالَ تَعَالَى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُون (٧١)} [آل عمران: ٧١]. وإن من مظاهر اتباعهم ومجاراتهم في هذه الضلالات، ما يقوم به بين الحين والآخر بعض المنافقين من بني جلدتنا من محاولات لاستحلال المحرمات


(١) «صحيح البخاري» (برقم ٢٢٣٦)، و «صحيح مسلم» (برقم ١٥٨١).
(٢) «إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان» (١/ ٥١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>