للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دون التشنج والصراخ المفزع الذي يذهب بجمال الخطبة ووقعها في نفس المستمع. روى مسلم في صحيحه من حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ، وَعَلَا صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ: «صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ» (١). قال الشاعر:

وَإِذَا خَطَبْتَ فَلِلْمَنَابِرِ هَزَّةٌ ... تَعْرُو النَّدِيَّ وَلِلْقُلُوبِ بُكَاءُ

كما أنه لا يراد به أن يكون احمرار العين وشدة الغضب في كل شيء (٢). قال القاضي عياض: «هذا حكم المحذر والمنذر، وأن تكون حركات الواعظ والمذكر وحالاته في وعظه، بحسب الفصل الذي يتكلم فيه ومطابق له حتى لا يأتي بالشيء وضده، وأما اشتداد غضبه فيحتمل أنه عند نهيه عن أمر خولف فيه شرعه، أو يريد أن صفته صفة الغضبان عند إنذاره» (٣).

٣ - وعلى الخطيب أن يضمن خطبته الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية والحكم المأثورة عن السلف الصالح، والابتعاد عن الكلام الإنشائي المنمق والسجع المتكلف إلا ما لا بد منه، فتأثير النصوص الشرعية أبلغ في القلوب وأبقى أثرًا، وأدوم ذكرًا، وما سواها فإنه وإن أثر نوعًا ما فلا بقاء له، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب بالقرآن. روى مسلم في صحيحه من حديث أُمِّ


(١) برقم (٨٦٧).
(٢) الشامل في فقه الخطيب والخطبة (ص: ٢٢٧).
(٣) إكمال المعلم بفوائد مسلم (٣/ ٣٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>