ويجب أن يعلم أن ما ذكره الله عن الكفار من الاعتراف، إنما هو إقرار وليس هو المعرفة لله، والعلم به التي تدعو إلى محبة الله، وحمده، وشكره، وأنه وحده المستحق للعبادة، وأن التقليل من شأن هذا النوع من التوحيد - أعني: توحيد الربوبية - بناءً على اعتراف الكفار به، وأنه لم ينفعهم، دليل على أن قائل ذلك لم يفهم توحيد الربوبية كما أراد الله، وقد أبدى الله تعالى وأعاد في كتابه الكريم في بيان هذا النوع، وعرف نفسه إلى خلقه حتى يعبدوه على بصيرة، ويوحدوه على علم، قال تعالى:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}[فاطر: ٢٨]. فالعلماء هم العارفون بالله، وقد جاءت هذه الآية بعد ذكر الآيات التي تعرفه إلى خلقه، وإليك الآيات فتدبر: قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا}[فاطر: ٢٧].
وتوحيد العبادة لا يتحقق على وجه الكمال إلا بمعرفة توحيد الربوبية، ولذا نجد أن الله تعالى إذا أمر بتوحيده ذكر قبله أو بعده توحيد الربوبية برهانًا على استحقاقه لذلك، قال تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون}[البقرة: ٢١]، وقال تعالى:{طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَاّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى * تَنزِيلاً مِّمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى}[طه: ١ - ٨].
وهذه المعرفة هي التي تنفع صاحبها حين يدخل قبره، فيُسأل من ربك؟ فمن عرف الله معرفة صحيحة أجاب إجابة صحيحة، فقال:(ربي الله)، ومن كانت معرفته معرفة الكفار، لا يتجاوز الإقرار القهري، فإنه لا يستطيع الإجابة.