للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِغَيْرِ اللَّهِ} وقوله: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} قال: «والأشبه بالكتاب والسنة ما دل عليه كلام أحمد من الحظر، وإن كان من متأخري أصحابنا من لا يذكر هذه الرواية بحال، وذلك لأن قوله: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: ٣] عموم محفوظ لم تخص منه صورة، بخلاف طعام الذين أوتوا الكتاب، فإنه يشترط له الذكاة المبيحة، فلو ذكى الكتابي في غير المحل المشروع لم تبح ذكاته، ولأن غاية الكتابي أن تكون ذكاته كالمسلم، والمسلم لو ذبح لغير الله أو ذبح باسم غير الله لم يبح، وإن كان يكفر بذلك فكذلك الذمي لأن قوله: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: ٥] سواء، وهم وإن كانوا يستحلون هذا، ونحن لا نستحله، فليس كل ما استحلوه يحل لنا، ولأنه قد تعارض دليلان حاظر ومبيح، فالحاظر أولى أن يُقدم، ولأن الذبح لغير الله أو باسم غيره، قد علمنا يقينًا أنه ليس من دين الأنبياء عليهم السلام، فهو من الشرك الذي قد أحدثوه، فالمعنى الذي لأجله حلت ذبائحهم منتف في هذا. والله أعلم أهـ (١).

وقال ابن رجب -رحمه الله-: «وما أصله الحظر كالأبضاع، ولحوم الحيوان، فلا يحل إلا بيقين حله من التذكية والعقد، فإن تردد في شيء من ذلك لسبب آخر رجع إلى الأصل فبنى عليه، فما أصله الحرمة بنى على التحريم، ولهذا نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أكل الصيد الذي يجد فيه الصائد أثر سهم أو كلب غير كلبه» (٢).


(١). اقتضاء الصراط المستقيم (٢/ ٦٠).
(٢). جامع العلوم والحكم ص ٨٨ - ٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>