للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والوجهان المذكوران في تفسير هذه الآية الكريمة كلاهما شهد له القرآن، أما على القول الأول بأن المراد بطائره عمله، فالآيات الدالة على أن عمل الإنسان لازم له كثيرة جدًّا، كقوله تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: ١٢٣]، وقوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} [فصلت: ٤٦]، وقوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨)} [الزلزلة].

وأما على القول بأن المراد بطائره الذي طار له في الأزل من الشقاوة أو السعادة، فالآيات الدالة على ذلك أيضًا كثيرة، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} [التغابن: ٢]، وقال تعالى: {فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ} [الأعراف: ٣٠]، وقال تعالى: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (٧)} [الشورى]، إلى غير ذلك من الآيات.

قوله تعالى: {فِي عُنُقِهِ} أي جعلنا عمله أو ما سبق له من شقاوة أو سعادة في عنقه، أي: لازمًا له لزوم القلادة أو الغل لا ينفك عنه، وإنما ذكر العنق لأنه عضو لا نظير له في الجسد، ومنه قول العرب: تقلدها طوق الحمامة، وقولهم: الموت في الرقاب. ومنه قول الشاعر:

اذْهَبْ بِهَا اذْهب بِهَا ... طَوَّقْتُهَا طَوْقَ الحَمَامَةِ

فالمعنى في ذلك كله اللزوم وعدم الانفكاك.

<<  <  ج: ص:  >  >>