للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنما كان رحمة؛ لأن فيه توسعة على الأمة! ومع أن هذا التعليل مخالف لصريح الآيات المتقدمة، وفحوى كلمات الأئمة السابقة؛ فقد جاء النص عن بعضهم برده.

قال ابن القاسم: «سمعت مالكًا والليث يقولان في اختلاف أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ليس كما قال ناس: فيه توسعة ليس كذلك، إنما هو خطأ وصواب» (١).

وقال أشهب: «سُئل مالك عمن أخذ بحديث حدثه ثقة عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ أتراه من ذلك في سعة، فقال: لا والله حتى يصيب الحق، ما الحق إلا واحد، قولان مختلفان يكونان صوابًا جميعًا؟ ! ما الحق والصواب إلا واحد» (٢).

فثبت أن الخلاف شرٌ كله، وليس رحمة، ولكن منه ما يؤاخذ عليه الإنسان؛ كخلاف المتعصبة للمذاهب، ومنه ما لا يؤاخذ عليه؛ كخلاف الصحابة ومن تابعهم من الأئمة؛ حشرنا الله في زمرتهم، ووفقنا لاتباعهم، فظهر أن اختلاف الصحابة -رضي الله عنهم- هو غير اختلاف المقلدة.

وخلاصته: أن الصحابة اختلفوا اضطرارًا، ولكنهم كانوا ينكرون الاختلاف، ويفرون منه ما وجدوا إلى ذلك سبيلًا، وأما المقلدة - فمع إمكانهم الخلاص منه ولو في قسم كبير منه - فلا يتفقون ولا يسعون إليه؛ بل يقرونه، فشتان إذن بين الاختلافين، ذلك هو الفرق


(١). ابن عبدالبر في جامع بيان العلم (٢/ ٨١ - ٨٢).
(٢). المصدر السابق (٢/ ٨٢، ٨٨ - ٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>