للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاته يقول: «خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي» (١).

روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوْسٌ عِنْدَ رَسُوْلِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ فَنَظَرَ فِي السَّمَاءِ ثُمَّ قَالَ: «هَذَا أَوَانُ العِلمِ أَنْ يُرْفَعَ»، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: زِيَادٌ ابْنِ لَبِيْدٍ: أَيُرْفَعُ العِلمِ يَا رَسُوْلَ اللهِ، وَفِيْنَا كِتَابُ اللهِ وَقَدْ عَلَّمْنَاهُ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا؟ ! فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنْ كُنْتُ لأَظُنُّكَ مِنْ أَفْقَهِ أَهْلِ المَدِيْنَةِ»، ثُمَّ ذَكَرَ ضَلالَةَ أَهْلِ الكِتَابَيْنِ وَعِنْدَهُمَا مَا عِنْدَهُمَا مِنْ كِتَابِ اللهِ عز وجل، فَلَقِيَ جُبَيْرُ بْنُ نُفَيْرٍ شَدَّادَ بْنَ أَوْسٍ بِالمُصَلَّى، فَحَدَّثَهُ هَذَا الحَدِيْثَ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: صَدَقَ عَوْفٌ، ثُمَّ قَالَ: فَهَل تَدْرِيْ مَا رَفعُ العِلمِ؟ قَالَ: قُلتُ: لَا أَدْرِيْ، قَالَ: ذَهَابُ أَوْعِيَتِهِ. قَالَ: وَهَل تَدْرِيْ أَيُّ العِلمِ أَوَّلُ أَنْ يُرْفَعَ؟ قَالَ: فَقُلتُ: لَا أَدْرِيْ، قَالَ: «الخُشُوعُ حَتَّى لَا تَكَادَ تَرَى خَاشِعًا» (٢).

فإذا دخل المصلي المسجد بدأت الوساوس والأفكار والانشغال بأمور الدنيا في ذهنه، فما يشعر إلا وقد انتهى الإِمام من صلاته، وحينئذ يتحسر على صلاته التي لم يخشع فيها ولم يذق حلاوتها، وإنما كانت مجرد حركات وتمتمات كالجسد بلا روح.

قال ابن القيم رحمه الله: (صلاة بلا خشوع ولا حضور كبدن ميت لا روح فيه، أفلا يستحيي العبد أن يهدي إلى مخلوق مثله عبدًا ميتًا، أو جارية ميتة؟ فما ظن هذا العبد أن تقع تلك الهدية ممن قصده بها من ملك أو أمير أو غيره؛ فهكذا سواء الصلاة الخالية عن الخشوع والحضور، وجمع الهمة على الله تعالى فيها بمنزلة هذا العبد أو الأمة الميت الذي


(١) قطعة من حديث في صحيح مسلم برقم (٧٧١).
(٢) مسند الإمام أحمد (٣٩/ ٤١٨) برقم (٢٣٩٩٠)، وقال محققوه: حديث صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>