ثم ذكر السبب الموجب لبر الوالدين في الأم، فقال:{حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ} أي مشقة على مشقة، فلا تزال تلاقي المشاق من حين يكون نطفة من الوحم والمرض والضعف والثقل وتغير الحال، ثم وجع الولادة ذلك الوجع الشديد.
قوله:{وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} أي تربيته وإرضاعه بعد وضعه في عامين، كما قال تعالى:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}[البقرة:٢٣٣]. ومن ها هنا استنبط ابن عباس - رضي الله عنهما - وغيره من الأئمة أن أقل مدة الحمل ستة أشهر؛ لأنه قال تعالى في الآية الأخرى:{وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا}[الأحقاف:١٥]. وإنما يذكر تعالى تربية الوالدة وتعبها ومشقتها في سهرها ليلًا ونهارًا ليذكر الولد بإحسانها المتقدم إليه، كما قال تعالى:{وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}[الإسراء:٢٤]. ولهذا قال:{أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}[لقمان:١٤]، أي فإني سأجزيك على ذلك أوفر الجزاء.
قوله تعالى:{وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا} أي: إن حرصا عليك كل الحرص على أن تتابعهما على دينهما، فلا تقبل منهما ذلك، ولا يمنعنك ذلك من أن تصاحبهما في الدنيا معروفًا، أي: محسنًا إليهما {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} يعني المؤمنين {ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.